هل أفشلت إيران مبادرة فرنسا في لبنان؟

كتب ناصر زيدان في “الأنباء الكويتية”:

زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت في 7 أيار كانت من الزيارات الأغرب على الإطلاق في تاريخ العلاقات الديبلوماسية، ذلك أنها لم تُراع المحددات البروتوكولية من جهة، وأكدت على أن حسابات الدول غير حسابات الأشخاص من جهة ثانية، وهي أعادت التذكير بنسق قديم من التعاطي بين الدول الكبرى والدول الصغرى، كنا قد اعتقدنا أنه انتهى منذ العام 1963 تاريخ توقيع اتفاقية فيينا حول أصول العلاقات الديبلوماسية.

في الشكل أخطأ لودريان كممثل لدولة ديموقراطية كبرى، لأنه تدخل علناً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ولم يتقيد بالقواعد المعتمدة في تحديد برنامج زيارات وزراء الخارجية الى دول أُخرى، والذي يجب أن ينسق بروتوكولياً مع خارجية الدولة المُضيفة، بصرف النظر عن الأشخاص المطلوب مقابلتهم، علماً أن اختيار أسمائهم حق حصري للزائر.

وقد حصل خطأ بروتوكولي واضح في الشكل بطريقة لقاء رئيس حكومة مكلف، بحيث لا يجوز معاملته كما يتم معاملة مدعوين آخرين الى قصر الصنوبر مقر السفير الفرنسي لمقابلة وزير خارجية، بصرف النظر عن الفارق بين حجم الدولتين.

ولرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري صفة رسمية حتى لو لم يكُن قد شكَّل الحكومة حتى الآن، بينما المدعوون الآخرون الى قصر الصنوبر يمكن تصنيفهم كأصدقاء لفرنسا، او أنهم فعاليات محلية، من حق السفيرة الفرنسية دعوتهم، ومن حقهم تلبية الدعوة كما حصل مع مجموعة قوى من نواب مستقيلين وفعاليات من المجتمع المدني، كما من حقهم رفض تلبية الدعوة كما حصل مع الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري وبعض الفعاليات التي لا تستهوي السياسة الفرنسية في الغالب.

في الرسائل التي وجهها لودريان كان مُحقاً، وهو معذور بالتقليل من شأن بعض القيادات كما مسؤولين آخرين في الدولة، إذا كانت فرنسا تعتبر أن هؤلاء لم يحترموا تعهداتهم أمام رئيس دولة عظمى كفرنسا، وبالتالي نكثوا بوعدهم بتشكيل حكومة من اختصاصيين مستقلين من دون محاصصة حزبية تعمل بالتعاون مع المجتمع الدولي على إنقاذ لبنان من الهلاك الذي يعيشه.

لكن لودريان وبمناسبة التعبير عن حسابات فرنسا المُحقة، طعن بمبدأ العدالة وفرض عقاباً ديبلوماسياً على المرتكب وعلى البريء في ذات الوقت، وهو تجاهل القوى التي تعاونت لإنجاح المبادرة الفرنسية، كما تجاهل المعرقلين للمبادرة على ذات القدر، مما أثار امتعاضاً لدى كثيرين، عبر عنه مقربون من دوائر البطريركية المارونية ومن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اللذين دعما المبادرة الى أبعد الحدود لأن هدفها مساعدة لبنان وليس فرض شروط عليه.

حسابات الدول الكبرى كفرنسا وايران لها اعتباراتها الإستراتيجية الواضحة، وهناك مَن يعتبر أن الثانية أفشلت مبادرة الأولى.

لكن الحسابات التي تتعلَّق بمستقبل الأشخاص لا يجوز أن تكون معياراً لقياس العلاقات بين الدول او أن تتقدم على مصلحة لبنان، مهما كانت أهمية هؤلاء الأشخاص ومكانتهم، والعقوبات التي فرضتها فرنسا على المعرقلين لمبادرتها، أصابت أشخاصا محددين يحظون برعاية مراجع عُليا، برغم أن هناك مّن طالته الإساءة، وطاله الغُرم من دون أن يكون شريكاً بالغنم، وهذا يؤكد أن الأزمة غير المسبوقة التي تعيشها بلاد الأرز سببها الرئيسي تأمين مصالح تتعلَّق بضمان مستقبل بعض الأشخاص، خصوصاً من المقربين من العهد، وهو ما لا يمكن للدول الكبرى أن تتفهمه مهما كانت دوافعه، وقد أوضحت مصادر مقربة من السفارة الفرنسية في بيروت أن فرنسا لا يمكن أن تعطي أهمية لأي اعتبارات شخصية على حساب مصلحة الدولة.

والذي أثار الجدل أكثر فأكثر في الزيارة الشهيرة أن لودريان ناقش خطة تغييرية للواقع السياسي اللبناني عن طريق الانتخابات التشريعية التي ستجرى بعد أقل من عام مع فريق من المجتمع المدني، ومنهم قوى سياسية سبق أن شاركت في الحكم، وبدا الموقف الفرنسي رسالة لدعم التغيير في الساحة المسيحية على وجه التحديد، وهو ما اعتبرته الأوساط المراقبة تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويحمل مؤشرات على التأثير في العملية الانتخابية القادمة.

مهما يكُن من أمر، فعادةً ما لا تتصرف الدول الكبرى بانفعال، كما أن مصالح الأشخاص لا يجوز أن تتقدم على مصالح الدولة العليا، فكيف إذا كانت هذه الدولة بوضعية الانهيار كما في لبنان حالياً.