شراء الكتب بات ترفاً في لبنان

كتبت جويل رياشي في “الأنباء الكويتية”:

ترف جديد غير مسبوق في اليوميات اللبنانية: قراءة الكتب وخصوصا الإصدارات الجديدة، وشرب القهوة الأميركية أو العربية في المقاهي، وتدخين النارجيلة والسيغار الكوبي بشقيه غالي الثمن والزهيد.

أشياء ما كانت تلفت اهتمام اللبنانيين سابقا، وهي التي لطالما اعتُبرت من اليوميات البديهية، إلا أن الأمر اختلف في أيام انهيار سعر صرف العملة الوطنية تجاه الدولار الأميركي، فبات اللبناني يحسب حسابا لكل شيء، من أمور لم تكن يوما «لا ع البال ولا ع الخاطر».

تدخل شابة إلى مكتبة «بيسان» الشهيرة بتوزيع الكتب والإصدارات الجديدة منها وتسأل الموظف السوري دياب «هل تشترون كتبا مستعملة؟»، يتردد الشاب الذي يعرف الكثير وحفظ «داتا» الرواية العربية ودور نشرها، ويجيب بالنفي، وهو يراقب ردة فعل الزبائن الموجودين في المكتبة.

الأسعار نار، إلا أن المكتبة العريقة تنفرد في الاستمرار باستيراد كل جديد، خصوصا الروايات الست التي بلغت اللائحة القصيرة للنسخة العربية من جائزة «بوكر» السنوية، وكذلك تعرض المكتبة في واجهتها جديد عضو الأكاديمية الفرنسية اللبناني الأصل أمين معلوف «اخوتنا الغرباء» (ترجمة نهلة بيضون التي اعتادت نقل روايات معروف مكتوبة بالفرنسية إلى العربية).

لا يقل ثمن الكتاب ـ الرواية ـ عن 100 ألف ليرة لبنانية حدا أدنى، بعد تقديم حسومات خاصة لـ «الزبائن المعروفين من قبل المكتبة».

بيروت التي كانت تطبع الكتب لتوزيعها في العالم العربي وخصوصا في بغداد والقاهرة، تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتفتقد تسويق منتجاتها، على قلتها هذه السنة، وهي التي عرفت غياب معرضها السنوي العريق الذي ينظمه النادي الثقافي العربي للسنة الثانية تواليا بسبب أوضاع البلاد وجائحة كورونا.

في سياق الكتب، نصح الإعلامي الزميل حسين جرادي المقيم في العاصمة الأميركية (واشنطن)، الراغبين بالسفر إلى القاهرة الإفادة من أسعار الكتب، «إذ ستشترون هناك كميات من الكتب بأسعار زهيدة، فتحصلون بالحد الأدنى على سفرة مجانية من تكاليف إقامة في الفندق وبطاقة السفر».

من جهة أخرى، القهوة أيضا باتت ترفا مع رفع أسعارها في مقاه تقدم أصنافا معروفة عالميا، وبات ثمن الكوب الواحد يناهز العشرين ألف ليرة لبنانية.

والشيء عينه بالنسبة إلى أسعار التبغ والنارجيلة، التي يختار البعض تدخينها في الهواء الطلق، وكذلك عبوة المشروبات الغازية بأصنافها المحلية والغربية، والأخيرة ينصح بتفادي طلبها إذ يمكن ان تصل إلى عشرين ألف ليرة في بعض المطاعم، في حين لا يقل سعر الكلفة في محال البقالة.

في المقاهي أيضا تحضر حكايات السيغار الكوبي الذي اعتاد البعض تدخينه أو نفخه بدلا من الشيشة، وبات سعر السيغار الواحد الخفيف النوعية يناهز 150 ألف ليرة حدا أدنى.

ويقول البعض من الذين اعتادوا اللقاء في فترة الظهر وتدخين السيغار «نفتقد الرفقة، ونشعر بالخجل من تدخين السيغار، ونتحسس شعور العمال في المقاهي من شباب وصبايا، إذ ينظرون إلينا ويقولون في قرارة أنفسهم إن أسعار خمس حبات من السيجار ممكن أن ندخنها في جلسة قصيرة، توازي راتبهم الفردي الشهري».

لا يعني هذا الكلام انه من السهل مثلا إيجاد مكان في مقاه معروفة داخل العاصمة وفي محيطها وصولا إلى ساحل جبيل، فهناك لبنانيون يريدون التمويه عن أنفسهم، وهم بغالبيتهم يتقاضون رواتب من شركات أجنبية تدفع لهم بالدولار الأميركي، لكن ذلك المشهد لا يختصر الواقع اللبناني.

زمن المفارقة الكبرى في اليوميات. انه المشهد اللبناني الذي يضم كل شيء، وان كانت الحسرة موجودة في كل مكان.