كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
ما زال لبنان يغرق في المستنقع ويتجه إلى “جهنم” بسبب سوء الإدارة وتمسك الطبقة الحاكمة بمكتسباتها وحصصها وعرقلتها تأليف حكومة إصلاحية لا تحاصصية.
منذ نحو عام من اليوم، كان شباب لبنان منتفضاً في الساحات والشوارع ويريد أن يبني دولة تحقق أحلامه، لكن هذا الحلم تبدّد بفعل الهجوم المضاد الذي شنته السلطة وإمساكها بأوراق قوة، ما تسبب بيأس أصاب عدداً من المواطنين وإنكفاء العدد الأكبر نتيجة غياب قيادة موحدة للمعارضة وحرف الثورة عن مسارها، فعادت القوى الحاكمة لتتقاسم “الجبنة”.
ومنذ أكثر من عام رفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الصوت عالياً، مشيراً إلى أن دولة غربية تفتح أبواب الهجرة إليها، وحينها كان يُحكى عن وجود نحو 6 آلاف شاب مسيحي بصدد الهجرة إلى كندا. وأمام كل الأحداث التي جرت، وتدمير الأحياء المسيحية في العاصمة بيروت والضواحي الشرقية، عادت نغمة الهجرة لتدغدغ مشاعر المسيحيين بعد فقدان الأمل من السلطة الحاكمة في هذا البلد وعدم وجود حلول للأزمة القائمة، في حين أن الهجرة لا تتوقف على المسيحيين فقط بل على كل المكونات، لكنها موجودة بأضعاف مضاعفة عند المسيحيين.
وما أثار التخوف من إزدياد موجة الهجرة لدى الكنيسة والمراجع المسيحية هو إعلان وزير الهجرة الكندي ماركو منديسينو منذ بضعة أيام أن كندا تعتزم إستقبال أكثر من 1.2 مليون مهاجر بين أعوام 2021 و2023، أي بزيادة نحو 200 ألف مهاجر عن العدد الذي حدد قبل أزمة كورونا، وذلك تعويضاً عن عدم فتح باب الهجرة إليها هذه السنة نظراً لإنتشار الوباء وتبدّل الأولويات.
وتتابع الكنيسة تفاصيل هذا القرار وهي ستطّلع على مضمونه في الأيام المقبلة وما إذا كانت الهجرة مفتوحة لكل الشرائح أو إن كندا أخذت في الإعتبار مخاوف البطريرك الراعي وحديثه الدائم مع السفارة الكندية، من أن فتح باب الهجرة للمسيحيين في لبنان بهذه الكثافة سيجعل بلد الأرز وطناً خالياً من المسيحيين.
وترى الكنيسة أن الأزمة تشتدّ وتتسع والسلطة السياسية غائبة عن المعالجة وكأن هناك قراراً بايصال البلاد إلى قعر الهاوية، وتلفت إلى أن المكوّن المسيحي أكثر حساسية ويتأثر بسرعة، كما أن الغرب يفضّل هجرة المسيحيين إليه لأنهم يتأقلمون بسرعة مع البيئة الغربية، لذلك فإن المسؤولية مضاعفة على الجميع لوقف هذا النزيف وإصلاح البلد، فالإصلاح تستفيد منه كل المكونات وليس المكون المسيحي فقط.
وتراقب الكنيسة بخوف مسار الأمور، إذ إن البطريرك يركّز في عظاته على التمسك بالأرض وعدم بيعها والهجرة، ويدعو السلطة إلى وقف قتل شعبها وتهجيره، لذلك فان كل مسؤول مسيحي في السلطة وحتى الاحزاب هي أمام الحفاظ على ما تبقى من وجود مسيحي، لأن هجرة المكون المسيحي يعني إنتهاء صيغة لبنان المبنية على التعايش المسيحي- الإسلامي، وعندها يصبح بلداً مثل بقية البلدان ويفقد ميزته.
وتواصل المؤسسات الكنسية العمل لمساندة الأسر المحتاجة، لكن الأزمة في المجتمع المسيحي ليست أزمة إجتماعية بقدر ما هي تفتيش الشباب المسيحي عن مستقبلهم خارج البلد، بعدما فقدوا الأمل بالعيش الكريم وسط سطوة المافيات والميليشيات المسلحة وغير المسلحة على مقدرات الدولة، من هنا ترى الكنيسة أن موجة الهجرة ستكون اكبر وأشمل لو لم تترافق الأزمة اللبنانية مع إنتشار وباء “كورونا” وإغلاق الدول الغربية حدودها، وتراجع الإقتصاد العالمي وعدم القدرة على إستقبال مهاجرين.
يبدو أن المجتمع المسيحي أمام نزيف كبير، خصوصاً إذا ما شمل قرار كندا فتح الهجرة في لبنان، عندها سيتقدم عشرات الآلاف من الشباب بطلبات هجرة، وسيصبح البلد خالياً من شبابه.