في ظل غياب المعطيات السياسية الجدية التي يمكن البناء عليها لمعرفة اتجاهات رياح بعبدا الحكومية الخميس المقبل، يرى الكثيرون ان الرئاسة الاولى حشرت نفسها في زاوية “الميثاقية” التي ستخرجها خاسرة من معركتها، خصوصا اذا ما تراجع رئيس التيار الوطني وتنازل عن مطالبه، وعندها كيف ستبرر بعبدا تضييعها للوقت؟ في المقابل يرى اخرون ان يوم الخميس محطة، قد تحمل معها تكليفا وفق الشروط والمواقف الحالية، الا انها لن تصل الى التشكيل، قبل ان تكتب الانتخابات الاميركية امرا كان مفعول. ولكن هل يحتمل البلد هكذا خطوات؟
كل المؤشرات توحي بأن شيئا ما يحصل تحت الطاولة بين الثنائي الشيعي والتيار الازرق من تحت الطاولة، بعدما رمى شيخ الوسط نفسه في احضان الحارة، مع قطعه كل الجسور مع واشنطن والرياض. اتفاق تشي التسريبات انه قائم على اعادة نظر في بنود المبادرة الفرنسية والاصلاحات التي تتطلبها، بمباركة باريس، وفقا لما يتماشى ومصالح الاطراف المعنية ويحفظ حقوق “الدويلة” التي تتغذى وتنمو على حساب الدولة.
فالواضح ان محاولة الرئاسة الاولى، تحميل غياب الغطاء المسيحي الوازن لتسمية الرئيس الحريري ،لم تقنع المعنيين سواء في الداخل او الخارج، خصوصا ان احدا لم ينسى بعد كيفية تشكيل حكومة الرئيس دياب.
وما زاد الطين بلة ان الشيخ تعامل “بفوقية” واضحة مع الرئاسة الاولى، اذ لم يحضر الى القصر الرئاسي كما وعد مع انتهاء استشاراته، مكتفيا باتصال هاتفي،”تبلغ” خلاله قرار الرئيس، بتأجيل الاستشارات مع تداخل اكثر من عامل وتشابكها، لعل ابرزها :
-ريبة رئاسية من معلومات وصلت الى القصر الجمهوري بدا معها ان “طبخة ما” قد اعدت وما على “بي الكل” سوى “اكلها” وتجرّع كأس سمها بنكهته الثلاثية السنية – الشيعية – الدرزية.
-بدا واضحا ان ما فرض على الرئيس مصطفى اديب من خطوط حمراء تحولت الى “مسلمات وطنية” سقطت دفعة واحدة مع تقديم الحريري “على طبق من ذهب” لحزب المقاومة كل ما اراده، من تكريس المالية الى احتكاره حق تسمية الوزراء الشيعي. وفي هذا المجال كان كلام الرئيس عون في مؤتمره الصحافي الاخير واضحا وكذلك سقفه.
-من الواضح ان الطريقة التي خاض بها الرئيس الحريري مفاوضاته اتت على شاكلة التأليف قبل التكليف، حتى لجهة توزيع الاسماء، وحصره ما نصت عليه المبادرة الفرنسية لجهة “تقعد الاحزاب على جنب لفترة”، بالاحزاب المسيحية فقط، في محاولة واضحة لاحراجها فإخراجها. فإذا كان الامر كذلك اين الحديث عندها عن حكومة وحدة وطنية؟
– ضرب الشيخ سعد بعرض الحائط كل الاصول المتعارف عليها في التعامل مع ملف الحكومة والاطراف المسيحية الاساسية المعنية، طارحا نفسه مرشحا مكلفا “عن سابق اصرار وتصميم”، مجريا مفاوضاته ومشاوراته من خارج الدستور.
-الخلاف الواضح، وما نتج عنه من حملة معروفة المصدر والغايات وصلت حد التخوين، في ملف التفاوض لترسيم الحدود مع اسرائيل، من قبل جهات معروفة ومكشوفة، ظنت نفسها “وصيا” على الدولة ومؤسساتها مصادرة، بوقاحتها المعهودة، صلاحيات الرئاسة، متحدثة بلهجة الوعيد والتهديد، مفجرة عنجهيتها ببيان منتصف الليل. فهل يكون قرار بعبدا ردا على محاولة عزلها على هذا الصعيد؟
-اخيرا كيف لسعد الحريري والحزب مجتمعين، وخاصة حزب الله ان يراهن على قبول التيار بنحر نفسه، بعد ان استخدمته حارة حريك ستارا لها، وعرضته للسهام والتهميش دوليا ومحليا، لتعود وتتخلى عنه منجزة التسوية على حسابه.
قرار، لا يعيبه خلل دستوري، في ظل غياب النص، وفي بلد يحق لكل فريق فيه ان يرسي قواعد واعراف، مبنية على مفهومه للخطر على السلم الاهلي والوحدة الوطنية، مضافا اليها المعايير الميثاقية، السياسية، الاصلاحية والوطنية. فإذا كان حزب المقاومة رأى في إبعاده عن المالية استعادة لموقعة عاشوراء، فالاجدى طبعا ان يكون استبعاد الثلاثي المسيحي سببا اساسيا و”بيستاهل” “لقلب الطاولة”.
في الواقع من حيث لا تدري بعبدا، خرجت حارة حريك المنتصر الاول مما يحدث حتى الساعة، هي الغير مستعجلة التشكيل قبل وضوح الصورة الاميركية، لتبني على الشيىء مقتضاه، “ضاحكة في عبها” مع وضع التيار الوطني الحر وابيه الروحي في “بوز المدفع”.
صمت مطبق وجمود مطلق، بعدما بلغ سيل “الصهر” زبد “الشيخ. فسواء اتصل بيت الوسط باللقلوق ام العكس فإن شيئا لن يتغير.
فكيف تنتهي اللعبة ولمصلحة لمن؟ ارجاء جديد” رفضا للكسر”ام كليف جديد” بمن حضر”؟ الخميس لناظره قريب، فيما كل شيىء يسابق السياسة في لبنان.