اللبنانيون يعيشون بالصدفة… ومن “قلّة الموت”!!!

مع كل إشراقة شمس تطل على اللبنانيين مصيبة جديدة. ومع كل صياح ديك الصباح نتفاجأ بخبر غير سار. ولكثرة المصائب والأخبار السيئة لم نعد نعرف أن نميز بين ما هو صالح وما هو طالح، ما هو مفيد وما هو ضار، حتى أنه بات يُخيّل لنا أننا قد أصبنا بعمى الالوان، فلم نعد نميز بينها، بحيث أصبح الأبيض أسود حادقًا، والأسود أشدّ سوادًا من ظلام الليل الدامس. 

بالأمس القريب حلّت بنا كارثة ما بعدها كارثة ولم نتعظ، أو بالأحرى لم يتعظ من يدّعون بأنهم مسؤولون عن شؤون الناس. إعتقدنا، وربما عن سوء تقدير، أن هذه الكارثة البشعة، التي شوّهت وجه أجمل مدينة في المتوسط، ستغيّر ما فينا من عادات سيئة ومخجلة في آن. إعتقدنا، وربما عن سذاجة، أن أحوالنا بعد هذه المصيبة ستتحسن نحو الأفضل. إعتقدنا، ولو عن جهل، أن المسؤولين عن هذه الكارثة الجماعية ستعلق مشانقهم حيث وقع الإنفجار بسبب تقاعس أو إهمال أو فساد. لا فرق ما دامت النتيجة واحدة، وهي إستشهاد نحو مئتي شخص، وجرح نحو ستة الآف، وتدمير نصف العاصمة بيروت، وتهجير نصف سكانها من منازلهم المحطمة. 

وبالأمس ونتيجة الإهمال أو الفساد، لا ندري أيهما يتقدّم على الآخر، شب حريق في المرفأ. فما كان من سكان الجوار إلاّ أن فرّوا إلى جهة آمنة، وكأنه لا يزال في لبنان مكان آمن (!!!)، وذلك خوفًا من تكرار مأساة 4 آب، ولسان حال الذين هربوا “ما متت ما شفت مين مات(؟). 

إلى متى سيستمر هذا المسلسل المخجل في وطن لا سلطة فيه تتحمّل المسؤولية، خصوصًا أن ثمة إشاعات، ونتمنى أن تبقى كذلك قبل أن تتحول إلى حقيقة، بأن ما حصل وما يحصل في أكثر من منطقة من إشتباكات مسلحة ينذر بالأسوأ، ويشير بالبنان إلى أن لا دولة في لبنان بالمعنى الحصري للكلمة، ولا هيبة للقانون، بحيث اصبح الخارجون عنه يتصرّفون وكأنهم في مجاهل أفريقيا، علمًا أن ثمة مناطق في هذه المجاهل قد اصبح وضعها أفضل من وضعنا بكثير. حتى أن جمهورية الموز قد أصبح العيش فيها أكثر آمانًا من عندنا. 

قيل، وقد يكون ما قيل فيه الكثير من الحقيقة، أن حريق المرفأ مفتعل، وذلك لإخفاء بعض الأدلة الدامغة عن جريمة إنفجار 4 آب. إذا كان الأمر صحيحًا فإنه من أبسط الأمور أن تُكشف الحقيقة كاملة قبل أن ينفجر غضب الشعب في وجه مسؤوليه، الذين نعتبرهم متواطئين في مؤامرة مكشوفة ضد هذا الشعب، وذلك حتى إثبات العكس. 

فالموت بالصدفة قد اصبح في لبنان من البديهيات، إن لم نقل من “أدبيات” السلطة الحاكمة، التي لا تقوم بالحدّ الأدنى من واجباتها، وهي حماية الناس في منازلهم وفي تنقلاتهم. وهذه المسؤولية تطاول الجميع من دون إستثناء، مع العلم أن القوى الأمنية تقوم بأقصى جهدها، وبالإمكانات القليلة المتوافرة لديها، لحماية المواطن، أينما كان. 

أما المسؤولون غير المسؤولين فسيكون حسابهم من قبل الشعب عسيرًا.