نواف سلام يرد على مقال ابرهيم بيرم في “النهار ..

تلقت “النهار” الرد الآتي من السفير السابق نواف سلام:

“قرأت باستغراب شديد مقالة السيد ابرهيم بيرم الصادرة في عدد “النهار” تاريخ يوم الجمعة ٢٨ آب ٢٠٢٠ تحت عنوان “لماذا يعارض الثنائي الشيعي تسمية نواف سلام الى درجة التحريم؟“، وذلك لاسباب عدة:
أولا: ان متطلبات المهنية الصحفية التي طالما ميّزت عمل “النهار” كانت تقتضي من صاحب المقال الذي يعرفني جيدا الاتصال بي للتدقيق في ما حاول البعض نسبه اليّ من اقوال وافعال، اقله من باب السعي الى جلاء الحقيقة التي تهم القارىء وتوخيا للموضوعية، سيما ان موضوع المقال المذكور يتجاوز عنوانه و صولا الى محاولة فبركة سيرة مزعومة لي.
تانياً: خلافا لما ينسبه اليّ مصدر السيد بيرم من اقوال محرفة، وان وضعت بين مزدوجين للإيهام بدقتها، فان حرفية ما قلته عام ٢٠٠٧ لاحد الصحافيين الذي حاول التهويل عليّ، هو ببساطة ان المزايدة عليّ من باب المقاومة لن تنفعه لان لي، وبحسب العبارة الشهيرة، “آثار اقدام” معروفة منذ زمن طويل في سهول جنوبنا وجباله في التصدي للعدو الصهيوني. وعليه فان الادعاء انني قمت بالاعتذار عن كلامي هذا الى الرئيس نبيه بري، فأمر من نسج الخيال لانه ليس في حقيقته ما يقتضي الاعتذار عنه من احد، لا بل انني متمسك بكل حرف منه، واتشرف بمضمونه. والواقع انني عندما اثرت وفي اكثر من مناسبة مع الرئيس بري الافتراءات التي كنت اتعرض لها احيانا بحكم عملي في الامم المتحدة، كان رده دائما لي انها لا تستحق ان اقيم لها اي وزن.
ثالثًا: لا شك انه كان للافكار الماركسية تأثير كبير على ابناء جيلي الذين وجدوا في راديكاليتها نوعا من الرد على هزيمة الانظمة العربية في حرب ١٩٦٧، كما وجدوا فيها طريقا الى الحداثة والى التحرر من الانتماءات التقليدية، مثل الطائفية والعائلية. وقد سبق لي ان اوضحت في مناسبة اخرى ان من غلّب منا في تلك الفترة بتأثير هذه الافكار قضية المساواة على اهمية الحرية كان مخطئا تماما، كما كان مخطئا ايضا من غلّب قضية الحرية على مطلب المساواة والعدالة الاجتماعية. اما القول انني كنت “تروتسكيا” في تلك المرحلة، فان دل على شيء فهو على ان مصدر السيد بيرم يعرف القليل عن نشاطي السياسي او آرائي في هذه المرحلة، اذ انني لم اكن يوما من المعجبين بنظريات هذا المفكر الاممي، بل للامانة التاريخية، فان المصدر الاساسي لالهام جيلنا من بين التجارب الماركسية كان ما قدمته المقاومة الفيتنامية من دروس وعبر في تصديها للمستعمر الفرنسي في خمسينات القرن الماضي ومن ثم للقوات الاميركية في الستينات والسبعينات منه. وان دل هذا على شيء فهو على مدى جهل الساعي الى فبركة هذه “السيرة”، عبر قلم السيد بيرم، بي وبتاريخ جيلنا.
رابعا: ان الاشارة السريعة الى نضالي الى جانب المقاومة الفلسطينية في مطلع سبعينات القرن الماضي تؤكد دون شك انه كان لي “آثار اقدام” مشرفة في التصدي للعدو الصهيوني. ولكن كان لي الجرأة في مراجعة هذه التجربة للقول، انه مثلما كان على خطأ من اعتبر يومها ان “قوة لبنان في ضعفه”، فأنه كان على خطأ أيضا من حمل منّا لبنان اكثر من طاقته بدعمه غير المشروط للمقاومة الفلسطينية.
خامسا: الادعاء انني كنت من انصار “المحافظين الجدد” في الولايات المتحدة لا يمكن ان يصدر الا عن سيء النية، او عن جاهل كسول لم يكلف نفسه عناء القراءة. فالواقع الذي يصعب تجاهله الا من المغرضين، هو ان لي العديد من المواقف المعروفة والمقالات المنشورة في نقد سياسات هؤلاء “المحافظين الجدد” وتبيان مخاطرها على عالمنا العربي، ومنها بحث طويل لي صدر في جريدة النهار بتاريخ ٢٧ كانون الاول ٢٠٠٤. وفي هذا السياق لا ارى ضرورة للرد على ما ينسب زورا اليّ من علاقات مع هذه الدولة او تلك، ذلك ان الجهات التابعة للدول الاجنبية في لبنان، بالامس كما اليوم، يعرفها القاصي والداني، وانا لست من صفوفها طبعا.
وهذه النقاط الخمس مجرد عيّنة مما نسجه خيال مصدر السيد بيرم لفبركة سيرة مزيفة لي، ليس لها من هدف سوى انها محاولة جديدة وبائسة من محاولات “الاغتيال المعنوي” وتشويه السمعة التي يبدو ان المصادر نفسها لم تتعب منها بعد على وهم الظن انه في تكرار الاكاذيب ما قد يجعلها حقائق.
وفي الختام، ما يهمني قوله ان لا قديم هذه الفبركات ولا جديدها يمكن ان يفيد مصادرها لان من يعرف سيرتي الحقيقية، وهم ليسوا بالقلة، يعرفون انني لست قابلا للابتزاز اوالتهويل او الترهيب.
وانا لست آسفا، حتى لو ان كلامي هذا لن يعجب البعض”.