كتب الصحافي شادي هيلانة:
أخطر ما في المشهد اللبناني الآن، ليست الأساطيل التي تصول وتجول قبالة شواطئه، بل التجاذبات المُحتدمة بين القوى السياسية المُتناحرة، والتي تعيد فرز اللبنانيين، لا على قاعدة الكارثة أو الطموح ، بل وفق تضارب المحاصصات التقليدية الوقحة إياها .
أما في الشق الدولي من المشهد، فهناك زحمة بين موفدي المصالح الخارجية، الذين يمارسون في أزقة السياسة اللبنانية، أنشطة فظة ذات منحى تعبوي خطير ظاهرها التعاطف مع لبنان المنكوب، والتركيز على إجراء إصلاحات مؤسساتية ضرورية، تُطَوِّق الواقع السياسي الحالي، تمهيدا لطيِّ صفحته ، وكواليسها مفخخة بملفات تستثمر نتائج الكارثة، من أجل دفع الناس لقبول مشروع الحماية، تمهيداً لفرض وصاية دولية على لبنان، تنهي عملياً هويته العربية ، وتعمل على تحييده اقليمياً.. أقله في الصراع العربي – الصهيوني .
لا يمكن لمتبصر في أبجديات السياسة، أن يُفصل بين حركة الموفدين الدوليين، بعد إطلاق اللبنانيين إلى هذه الدعوات، منها ما هو مبرر، ان الإهمال الحكومي الواضح لتخزين تلك المواد المتفجرة دون أي التزام بمعايير السلامة، والإهمال المتكرر لطلبات إزالة هذه الشحنة من قبل العديد من الجهات القانونية لسنوات.
ويرى البعض أن ضبابية المشهد واحتمال تورط أطراف لبنانية، أديا إلى وجود قناعة لدى اللبنانيين بأهمية هذه المطالبة من أجل ضمان معرفة الحقيقة، ومن أجل إيجاد آليات لمعاقبة الجناة بإشراف دولي.
امّا من وراء التصعيد الذي تشنه خلطة شوارعية ممن امتهنوا تفسيخ الدولة، يبدو أن مصيدة “إنفجار الاهمال الملتبس”، قد أسعفت ظن هؤلاء، بأن الظروف قد باتت موءاتية لتدويل لبنان، عبر ممرات مشبوهة، منها ممر المطالبة بهيئة دولية للتحقيق، ومنها القول بحاجة لبنان، لحماية دولية مباشرة، تعيده الى وصاية مباشرة، تدير شؤونه.
هل ما نشاهده من فساد مُستعصٍ على الاصلاح ، مُخَططٌ لتكفير الشعوب بأوطانها، يُحمل على عاتق الدولة العميقة وأركان الفساد، التي أوصلت الأمور الى طلب حمايات ممن سبق ونكَّل بِها، هل وصلت الشعوب حقاً إلى قناعات قطعية، بان المستعمر المباشر افضل بكثير من وكلائه المحليين ؟.
وللأسف الشديد يكاد أن يكون حالة عامة في الوطن، كُل المعايير تُبرر لنا توصيف ما نحن فيه من كيانات سياسية، بالجحيم المُقرف، وإلّا من مِنّا في أسوأ كوابيسه، كان يتوقع وصول الكثير منَ الناس إلى هذا الوضوحِ في المطالبة بعودة الوصاية والتماهي مع طرح التدويل؟.
هذه الانتكاسات الفاضحة، لأوهام الهياكل والدكاكين والمنظمات الحزبية، بكل تلاوينها الأسرية والقطرية والقومية والدينية والشيوعية والاشتراكية والليبرالية، هي كاشفة بامتياز فاضح، لسقوط صريح للنظم التربوية والثقافية والاخلاقية والايمانية الفاشلة عبر السنين .
وإلاّ كيف نفسر طوابير الناس، أمام السفارات الأجنبية، طلباً للإبتعاد عن ضباعِ الجوع ومخالب الاستقواء وأنياب الاضطهاد، في جحيم أوطان عقيمة مُهَشَّمَة، إن لم يكن ظَنُّهم أن المستعمر المباشر، بات أرحم بهم من وكلائه المحليين .
أيَتوقع عاقل مُتبصر، من لُبناني عاطلٍ عن العمل ، مُهَمَّش مُحبط، مقهورٍ مغلوبٍ على أمره، أن يرفض جنسية أجنبية قد تُعرضُ عليه؟