كتب عمار نعمة في “اللواء”:
سارت حكومة الرئيس حسان دياب في الفترة الأخيرة على حافة الهاوية، ومع كل الصعاب التي واجهتها والتي بالكاد صمدت أمامها لظروف كثيرة، فقد جاءت جريمة المرفأ لتضع خطواتها المتثاقلة أمام الاستحقاق الأصعب، رغم أن المأساة الأخيرة قد تكون وفرت لها أنبوب الأوكسيجين للعودة.
وهي ليست المرة الاولى التي توفر الظروف الصعبة ذلك للحكومة، فقد شكل هبوب وباء «كورونا» الفرصة الاولى لذلك قبل أشهر في سبيل العمل والإنتاج، لكن الحكومة تعثرت وقد يعود ذلك الى اجتماع كل الظروف المقابلة الأخرى في وجهها والتي تقاطعت مع عثرات وزرائها في ظل اعتراض شعبي عليها زاد مع فاجعة المرفأ، وترصد معارضيها السياسيين من خارجها كما من الداخل.
ولعل دياب سيفيد من الإيجابية السريعة من العالم والدول العربية، الخليجية خصوصا، بعد طلب المساعدة للبنان المنكوب، لكن المستجد الآن يتعلق في هذين اليومين في الزيارة التي يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القيام بها الى البلاد اليوم والتي تلت جولة وزير خارجيته جان إيف لودريان في لبنان قبل أيام.
كيف يمكن قراءة الزيارة؟
يتوقف المتابعون للشأن الفرنسي وللعلاقات بين باريس وبيروت، أمام الطريقة التي تلقت بها فرنسا الحدث اللبناني.
ففي الأوساط الفرنسية والإعلام الداخلي، شكل انفجار مرفأ بيروت بالشكل الذي تم به، صدمة للفرنسيين الذين يعتبرون أن علاقة خاصة تجمعهم مع لبنان باعتباره آخر قلاع الفرانكوفونية في العالم وهو قد يكون أبرزها على الإطلاق.
انطلاقا من هنا، تلقت باريس بحزن ما شاهدته من قتل ودمار، وهو أمر تشترك به مع الكثير من دول العالم ومنها دول عربية حريصة على الاستقرار اللبناني ومنع انهيار البلد بعد أن بات على شفيره.
والحال أن اللبنانيين لم يكونوا الوحيدين الذين شبهوا منظر الإنفجار بقنبلتي هيروشيما وناغازاكي، إذ أن التشبيه كان مشابها أيضا في الخارج ومنه فرنسا، ما دفع الى حالة من التضامن انطلاقا من الذعر على لبنان.
تحت هذا العنوان يمكن وضع الزيارة التي سيشملها ماكرون بلقاءات مع الكثير من المسؤولين لكي يكون السباق في هذا المجال وعلى مستوى رفيع بالنسبة الى رئيس دولة ناهيك عن دورها الكبير في العالم الغربي.
لا يمكن هنا فصل الانطباع الفرنسي حول لبنان عن أجواء فرنسية سرت وانتشرت في السياسة والاعلام عن «أفغنة» مقبلة للبنان وصولاً الى حد تشبيهه بدول خضعت للتطرف الاسلامي.
كما أن الأمر تقاطع مع ما يمكن اعتباره سيطرة أميركية على السياسة الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها الموقف من الملف الايراني و«حزب الله» في لبنان.
بالنسبة الى فرنسا، فإن الانهيار اللبناني قد حصل فعلا، وكما أنها ستحاول صد هذا الانهيار، فإنه أيضا يعنيها لناحية حضورها في القوات الدولية العاملة في الجنوب اللبناني في إطار «اليونيفيل».
فهي تخشى على عناصرها في الجنوب من أي تهاوٍ للاستقرار اللبناني قد يكون هؤلاء ضحيته. مثلما أنها تخشى من تشكيل اللاجئين في لبنان قنبلة ديموغرافية موقوتة في حال هروبهم من هذا البلد نحو أوروبا مع تطور الأمور سلباً.
من أجل كل ذلك، ومع تلقي لبنان ضربة كبيرة جدا أمس الأول على صعد مختلفة، ستكون زيارة ماكرون مختلفة نوعا ما عن تلك التي قام بها وزير خارجيته الذي اكتفى تقريبا بتبليغ اللبنانيين ما يجب عليهم القيام به، رغم إبدائه إيجابية في أكثر من ملف يهم اللبنانيين. ومرد الاختلاف في زيارة الرئيس الفرنسي التي ستستمر لساعات طويلة خلال يوم واحد، أنه سيجلب معه مشاريع مساعدات سريعة للبنان.
وقد عقد رئيس الحكومة الفرنسية جان كاستيكس اجتماعات معمقة مع وزراء معنيين بمساعدة لبنان في قطاعات حيوية مثل الطاقة والمياه والقضايا ذات العلاقة بالكوارث الطبيعية وذلك لتحديد الأولويات والمباشرة بها، كما يشير النائب سيمون أبي رميا المطلع على ملف العلاقات الفرنسية اللبنانية لـ«اللواء».
باريس التي أعلنت منذ الساعات الاولى للفاجعة اللبنانية مباشرتها مد لبنان بالمساعدات العاجلة، سيشرع رئيسها بلقاءات مع الرؤساء اللبنانيين ورؤساء الكتل النيابية لوضع جدول سريع وتنفيذي للمساعدات، وذلك طبعا مع زيارة مكان الحدث المؤسف.
على أن ماكرون الذي سيكون لزيارته وقعا كبيرا في لبنان، لن يهمل المطلب الفرنسي في الإصلاحات المنتظرة من لبنان.
وهو سيضع من سيلتقيهم أمام مسؤولياتهم كون المجتمع الدولي يريد بصدق مساعدة لبنان لكن على الأخير السعي لذلك كونه في حاجة الى هذا المجتمع وعليه التعاون مع طلباته.