بَين بعبدا والبيت الأبيض…. فرقُ كبيرٌ
من على باب الكنيسة خرج ترمب رافعًا الانجيل داعيًا أمة الاميركيين”للجهاد” في وجه “الارهابيين”.
لما لا، طالما أن ثمّة من خرج ليحذّرَ ويذكّر أنها شوارع أميركية وليست حربًا أهلية في لبنان… فالبيت الابيض ليس قصر الشعب… والجمهوريون ليسوا حزب الله…..
كثيرون ينظرون لقرب نهاية التركيبة الاميركية متعامين عن الحقيقة لاسباب ايديولوجية ان حلم إبليسهم في الجنة لن يتحقق في المدى المنظور. أكيد ليس لان “الله يحمي أميركا”، كما هو مكتوب على الدولار، انما لاسباب أخرى بعيدة كل البعد.
ففي عودة الى الماضيين القريب والبعيد، من عمر تلك الدولة نجد عشرات الشواهد على حوادث مماثلة، أو أكثر خطورة ودموية، دون ان يؤدي ذلك الى تفكك الدولة، ولعل مثال “ثورة” لوثر كينغ تعتبر الحدث الاضخم لم تؤد الى تلك التفسخات بل الى عكس ذلك.
أمّا العامل الثاني فهو قدرة النظام السياسي الاميركي على امتصاص اي أزمة أيا كان نوعها، اقتصادية سياسية أم اجتماعية، ففي الولايات المتحدة الاميركية عشرات التنظيمات والجماعات المسلحة والمنظمة المطالبة بالانفصال والاستقلال الذاتي، دون أن تؤدي الى اي نتيجة طوال هذه السنوات.
لكن لماذا كل هذه الضجة هذه المرة؟
على الجانب الاميركي، لا شك ان مجموعة من العوامل لعبت دورًا أساسيًا في بلوغ الاحداث هذه الدرجة من العنف والتخريب، في مقدمتها الازمة التي خلفتها كورونا وفقدان الالاف لوظائفهم، وفلويد من بينهم، فنزلوا الى الشوارع يسرقون وينهبون الى جانب المئات من جماعات المافيات والعصايات المحلية التي تقتنص عادة هذه الفرص لبث الفوضى وممارسة اعمالها المخالفة للقانون.
أمّا العامل الثاني فيتمثل في الاحتقان السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، قبل خمسة اشهر من الانتخابات الرئاسية.
ثالثًا ،لعبة الاعلام التي قلبت السحر على الساحر في بعض جوانبها، فمقاطع الفيديو التي انتشرت موثقة “وحشية” الشرطة، مغذية مشاعر الغضب، كما مشاهد النهب والتخريب المنظمين، كانا سيفاً ذو حدين.
بالتأكيد لا نقول ذلك للتخفيف من دلالات ما حصل، إنما أيضًا للقول أن الحديث عن ثورة سوداء وقلب للحكم ليس بالكلام الموضوعي والدقيق.
قد يكون للتعبير عن رغبة جامحة لدى جمهور محور الممانعة للشماتة والانتقام من دونالد ترمب، وما “التركيبات على وسائل التواصل الاجتماعي سوى نموذج بسيط عما يدور في الصالونات اللبنانية وجلسات “الارغلة”.
في علم الاجتماع السياسي يبين تحليل الوقائع والاحداث الجارية اليوم، استنادًا الى التجارب السابقة، ان الموجة الحديثة من الاضطرابات ستنتهي قريبًا، مع استعادة الادارة الجمهورية للمبادرة واحتوائها للازمة الناشئة، وسط توقعات بعدم تاثيرها على المعركة الانتخابية الرئاسية، نظرا لعدم اعتماد حملة ترامب على الصوت الاسود للوصول الى البيت الابيض.
فدراسة ارقام الانتخابات الاخيرة تبين ان التقديرات منحت المرشح الجمهوري 2٪ من اصوات السود، فيما هو نال حقيقة 8٪منها.
أمّا اليوم بعد ما حصل فهو بدون تاكيد حصل على الغالبية العظمى من اصوات اليمين المتطرف الاميركي الذي يتخطى نسبوة الـ 6٪.يضاف الى ذلك ان حركته أمام الكنيسة أكسبته أصوات غالبية اللوبي الكاثوليكي المتحمس أساسًا، بسبب سياسة البيت الابيض في الشرق الاوسط ودعمه للمسيحيين في تلك المنطقة والذي أنتج تغييرًا في سلوك دول تلك المنطقة وقواها الفاعلة تجاههم.
لكن كيف سينتهي الأمر؟
دَرجت العادة ان تنتهي هكذا احداث في غضون 3 الى 4 ايام لكن هذه المرة وبسبب تضافر العوامل التي سبق ذكرها، فمن المتوقع ان تمتد موجة الاحتجاجات لفترة أطول، على أبعد تقدير خلال ايام، بحسب المتخصصين في تاريخ الاحتجاجات. يعزز هذه الرؤية مشاركة شبان بيض في الاحتجاجات ما شكل علامة امل في العلاقات العرقية في الولايات المتحدة، مُسقطًا مرة جديدة أحلام سقوط النسر عن عرشه، أقله في المدى المتوسط.
المصدر:”ليبانون ديبايت“