أغلب الظن شهادة البروفيه إلى مثواها الأخير. يدفنها مجلس الوزراء ويحمل نعشها فيروس كورونا شخصياً مع ترقيص للمحمل على مرأى من آلاف الطلاب الذين يرشّون الأرز والورود على الراحلة الكبيرة. هذا في الكاريكاتور. في المأساة واقع آخر. وُلِدت البروفيه أصلاً على شكل منخل. كان المطلوب منها توجيه الطلاب الموهوبين بالتقنيات والحِرَف للحدّ من معاناتِهم الأكاديمية.
طبعاً تحوّلت بفعل الفَلتان إلى مسرحية أكاديمية. مئة بالمئة نجاح ثم حشو الصفوف الثانوية بمقصّرين يجتازون الشهادات الثانوية بنجاح. أجيال من العاطلين عن العمل خرّجناهم مع شهادات جامعية أيضاً سعرُها أرخص من سعر باقة فِجِل. كل نظامنا التعليمي بسعر صحّارة خضار صالحة لإستهلاك الماعز.
المهم إلا تكون محاولة إعادة قطاع الخلوي إلى كنف الدولة شبيهةً بشهادة البروفيه مليئة بالراسبين الذين يتم ترفيعُهم إلى رتبة موظفين. مئات من أزلام السياسيين وُظّفوا في هذا القطاع الذي تُعَدّ خدماته الأغلى في العالم على المستهلكين. قِطاع يدرّ حوالي مليار دولار أرباح منذ أكثر من عشرين سنة تأخذ منه خزينة الدولة الفُتات ويذهب الباقي إلى جيوب السياسيين.
علي إبراهيم يستطيع أن يسهِم في ردّ أكثر من عشرين مليار دولار من دون منّة صندوق النقد الدولي. يكفي أن نتفكّر قليلاً باحتساب كل ثانية بعد دقيقة مكالمات بمثابة دقيقة إضافية لنكتشف حجم السرقة. الخلوي فضيحة زميلة لفضيحة قطاع الكهرباء والطاقة.
الحل الذي اقترحه النائب إبراهيم كنعان يحرّك قليلاً من الإصلاح في مستنقع الفساد الآسِن. صندوق وطني سيادي يدير الأموال المُستَعادة. سنكون في حضرة صندوق يدير إحتياطي أكبر من إحتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. يكفي أن يترأسه قاضٍ شارِب لحليب السّباع ليستقيم عمل الصندوق. مفارقة جميلة. أموال الفساد في الصندوق تُوَظَّف في الإصلاح. المهم ألا تذهب هذه الأحلام هدراً بإصدار عفو عام عن جرائم الفساد. سيتمّ إذا حصل ذلك تصفير الصندوق وتصفير الآمال معه.
أما المسرحية الشكسبيرية التي تلعب أمام أحد المصارف غداً فتشكِّل سابقةً لم تحدُث إلا في لبنان. المشاغبون الذين حطَّموا واجهاته يتظاهرون لأن إدارَته ادَّعت عليهم. المُشاغب يُقاضي المتضرِّر. سابقة قانونية لم يتنبئ بإمكانيَّة حدوثِها دالوز نفسه. مصرف يتعرَّض للاعتداء مطلوبٌ منه الاعتذار من المُعتدي. لا أعلم أي محكمة في العالم من اختصاصها النظر في هذه الظاهرة الغريبة.
مفترق طريق أمام الثورة لتكنِّس غبار الزعران وتعود إلى نقائها وصفائها وبراءة مطالبها. المصارف بآلاف موظفيها موجوعة كالثوار ومعرَّضة للانقراض. إذا مرَّ تحطيم واجهات المصارف من دون عقاب سيدخل الزعران غداً إلى داخلها ويعيثون فساداً ونهباً بمحتوياتها التي هي أولاً وأخيراً ودائع الناس وأهل الثورة منهم.
المطلوب موقف جريء من الثورة تحيِّد فيه الممتلكات العامة والخاصة من تخريب الهَمج وزعران الأزقة. غداً مظاهرة لقيطة أمام فرنسبنك في الحمرا. نذير شؤم لن يطال مصرفاً فحسب بل كل من لديه مصدر رزق في لبنان.
الخطة الاقتصادية للحكومة حطَّمت أصلاً واجهات المصارف بتحطيم دورها في دعم الاقتصاد المنتج. هذا الاقتصاد الذي تريد الخطة نقله من الريعية إلى الإنتاجية. من دون مصارف مُبدِعة وخلّاقة ومحميَّة ومُصانة ستكون مواعيد الحكومة مع صندوق النقد الدولي دردشة على فنجان قهوة ولن تؤتي بأي نتيجة تُذكر.
التظاهُر أمام فرنسبنك أو أمام أي بنك آخر يجب أن ينظّمه نُظفاء الثورة أنفسُهم ليعتذروا نيابةً عن الزعران ويتعهَّدوا بالتعويض عن الخسائر الفادِحة التي لحقت بقطاع يوظِّف عشرات آلاف الموظفين أغلبهم يتعاطف مع الثورة ويصفِّق لها سرّاً وعلانيةً.
فلتكن مظاهرة الغد مظاهرة يقف فيها الثوار والمصارف كتفاً على كتف بشعارٍ واحِد. لا تحطّموا واجهات المصارف. تمثِّل وجهَنا الحضاري ووجهتَنا للسنوات المقبلة. إذا حدث ذلك سنكون أول المُشاركين في الوقفة الإحتجاجية غداً في شارع الحمرا.
المصدر:”ليبانون ديبايت”