قد تكون المرَّة الأولى التي تدوّن سجلّات السفارة الأميركية في بيروت ممانعةً لجهودها وتعاميمها على من تعتبرهم ضمن فريقها في لبنان.
على مدى عقودٍ كان التمنّي الأميركي هو أمرٌ يطيعه هؤلاء فورًا، من دون نقاشٍ أو حساب لتبعاتِ الأمور على الشخصيّات السياسيّة بحدّ ذاتها. هذه المرّة، لم “يُسجَد” لكلام السفيرة. هذه المرّة، هناك من قالَ لها “لا”، ولو ناعمة وبصوتٍ خافتٍ غير صارخٍ، ولكنّها في نهايةِ المطافِ “لا” وليست “نعم”.
مصدرٌ سياسيٌّ رفيعٌ كشف لـ”ليبانون ديبايت” أنّ اللقاءات الأخيرة التي أجرتها السفيرة الأميركية دوروثي شيا في بيروت، أبلغت خلالها الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بضرورة بدءِ حملةٍ قاسية على حزب الله، تهدف من خلالها إلى قولبة الساحة الداخلية اللبنانية أكثر على الحزب، ليُتبع ذلك بتحرّكاتٍ شعبية على الأرض ذات طابعٍ مدني تتمكَّن في نهايةِ المطافِ من قلب الطاولة لصالح الولايات المتحدة.
هذا الأمر لا يفاجئ أحد، ولاسيما أنّ غرفة عمليات في عوكر أدارت قسمًا كبيرًا من اللعبة السياسيّة بعد الرابع عشر من شباط 2005، لكن المفاجأة تكمن في أنّ الأطراف الثلاثة لم تطع السفيرة على الفور.
وفي التفاصيل، اشترَطَ رئيس “القوات” سمير جعجع على السفيرة إطلاق سعد الحريري لمواقفٍ هجومية على حزب الله من أجل إعادة المياه إلى مجاريها معه، ومن ثم الانخراط بمشروعٍ سياسيّ واحد.هنا، قد يُفهَم السبب وراء تمايز جعجع عن الحريري في موقفهِ من بعضِ إجراءات حكومة حسان دياب. جعجع بالطبع، سيسير بهذا المشروع حتى النهاية، وهو بحسب وصفِ المصدر رجل الولايات المتحدة الأول في بيروت.
من جهتهِ، أبلغ الرئيس سعد الحريري السفيرة عدم قدرتهِ على مواجهةِ الحزب اليوم في الداخل. كلامُ الحريري هنا ليس وليدَ لحظتهِ، هو الذي حافظَ على علاقةِ ودّ مع حزب الله طيلة عامَيْن ونيّف، أي منذ تشكيل أولى حكومات العهد مع وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. حتى عند خروجهِ من السلطة لم يصوّب الحريري على الحزب، بل حفظ للسيّد نصرالله تحديدًا مساعيه في تحرير الحريري من السعودية يوم “اشتكاه” بعل حلفائه لولي العهد السعودي.
قد يكون الحريري، المتحرّر من الضغط السعودي نتيجة سوء العلاقة مع المملكةِ، قد اكتسبَ طيلة سنوات ممارسته للعمل السياسي حنكةً أكبر من التي بدا عليها يوم ورث أبيه، فربّما فاضل الرجل بين مشروع أميركي لا يمكن أن يكسر الحزب بل يلزم أدواته على الحوار مستقبلًا، وبين رغبة الحريري في العودة إلى رئاسة الحكومة عاجلًا أم آجلًا الأمر الذي لا يمكن أن يحصلَ في حال وضع الحزب فيتو على اسمهِ. هنا، وللمرّة الأولى منذ زمن، اختارَ سعد الحريري مصلحته.
وليد جنبلاط هو الآخر، أحد ركائز مثلث الاستهداف الأميركي، لم يبدِ من جهتهِ معارضةً للمشروع في البداية، وإنّما عاد وتراجع بعد أسبوعٍ بالتمام والكمال، رافضًا أن يعيدَ لعب دور “يا حوتًا لم تعرفه البحار” من جديدٍ. هو وليد جنبلاط الذي بدّله العمر وخفّف من حماسته وتهوّره.
كل ما سبق لا يعني أن الحريري سيتراجع عن مهاجمة حكومة حسان دياب. إذ يشير مصدرٌ من فريق الثامن من آذار الى أنّ حزب الله يعلم جيدًا التزام الحريري بسقفِ اللعبة السياسية المشروعة، والتي يطمح من خلالها للعودة إلى السرايا الحكومية. بدوره، لن يتوانى الحزب عن تأمين الدعم المطلق لرئيس الحكومة حسان دياب الذي يصفه بالنشيط والمجتهد و”الآدمي”، وسيسعى جاهدًا لتذليل العقبات من أمامه، كما يفعل تمامًا مع الرئيس ميشال عون وعهده وفريقه.
ويضيف المصدر أن الحزب جاهزٌ ومستعدٌ لمواجهةِ المشروع الأميركي، في حال جرى تأمين أدوات المعركة، حتى النهاية، وهو يعتبر أن هذا المشروع يمتد على مساحة الإقليم ولا يقتصر على لبنان.
كما يرى أنّ العلاقة بين الحزب والعهد ستشهد تقاربًا من شأن أي معركة تشنّ عليهما أنّ تزيدَ من منسوبهِ.
بالطبع، نقلت السفيرة الأميركية دوروثي شيّا إلى إدارة بلادها رفض فريق 14 آذار الهجوم على حزب الله. إذًا كيف ستفسّر إدارة دونالد ترمب هذا الرفض وهل يعنيها فعلًا أمر لبنان في ظلّ صراعها مع الصين كي تعود وتحاول ثانيةً مع هؤلاء؟ الأكيد أنّه في ميزان المصالح يعطي حزب الله الحريري وجنبلاط ما لا تعطيه الولايات المتحدة.
المصدر:”ليبانون ديبايت”