’’حل الدولتين‘‘: دولة اسرائيل والدولة الفلسطينية الذي روّج له الرئيس الأميركي جو بايدن كمخرج للصراع العربي الاسرائيلي وللتداعيات التي طرحتها عملية ’’طوفان الأقصى‘‘ والحرب الاسرائيلية على غزة. هذا ’’الحل‘‘ انساقت إليه الدول الغربية ومجلس الأمن وغالبية الدول بعد المآسي الناجمة عن الحرب على غزة وسياسات التدمير والتهجير والعقاب الجماعي وبعد ردّة الفعل الشعبية الدولية على ازدواجية المعايير الدولية في كل ما يخص اسرائيل.
فكرة ’’حل الدولتين‘‘ ليست جديدة ولا من بنت أفكار الرئيس جو بايدن. هي فكرة طرحتها المبادرة العربية للسلام مع العاهل الراحل للمملكة العربية السعودية الملك عبد الله بن سعود. كما خلص إليها الكثير من الباحثين والمتابعين الديبلوماسيين الأوروبيين (موراتينوس مثلا). لكن هذه ’’الفكرة‘‘ تراجعت مع سياسات الإستيطان وبعد اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن وتوسع عمليات الإستيطان مع نتنياهو وصعود تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية الذي رأى في قيام اسرائيل قوية مدخل لعودة المسيح.
مع ذلك فإن ’’حل الدولتين‘‘ يرتبط بتفكيك المستوطنات وبالوصل الجغرافي بين الضفة الغربية وغزة وبجدية الإلتزام الأميركي بمثل هذا الحل وبقدرة واشنطن على ممارسة ضغوط جدية على اليمين الديني اليهودي.
حتى الآن لا يبدو أن الضغوط الأميركية جدية أو فاعلة. بل العكس يتجرأ اليمين الديني اليهودي على القول بأنه لا يحتاج إلى واشنطن وينتقد سياسات الرئيس جو بايدن كما فعل الوزير ايتماربن غفير. حتى أن واشنطن تستجيب للإدعاءات الإسرائيلية بأن ’’الاونروا‘‘ ساهمت بشكل أو بآخر بالمساعدة في عملية غلاف الأقصى دون التحقق من صحة المعلومات. وهذا يعني أن اليمين الديني الاسرائيلي متيقن من محدودية الضغط الأميركي وعدم فعاليته مرتكزا على وزن ’’اللوبي اليهودي الأميركي‘‘ في وزارة الخارجية الأميركية وفي الكونغرس والبيت الأبيض وفي المؤسسات المالية والاعلامية. واستطرادا يدرك هذا اليمين الديني بأن طرح ’’حل الدولتين‘‘ ليس للحظة الراهنة بالحسابات الأميركية وإنما لفترة بعيدة وإن كان سبيلا لإطفاء الحرائق الحالية خصوصا وأن الولايات المتحدة الأميركية تخشى من انهيارات غير متوقعة. إذ تخشى واشنطن من الأوضاع الإقتصادية الصعبة في مصر ومن آثار التضخم ووضع الجنيه المصري غير المستقر خصوصا وأن الدول الخليجية التي تؤمّن العملة الصعبة لمصر بطلب أميركي بدأت تبدي انزعاجها. إنما أي انهيار مصري يترك آثاره المباشرة على كامل المنطقة ويعزز من فرص اليمين الديني اليهودي بتهجير سكان غزة إلى جزيرة سيناء ويدفع إلى إرباك عام في الشرق الأوسط لا تعود معه واشنطن قادرة على ضبط الأوضاع وإدارة الخلافات.
أيا يكن الأمر في سياسة إطفاء الحرائق التي تعتمدها واشنطن الرهان هو على مرونة مزدوجة من كل من اسرائيل وايران. وعلى هذا الأساس تبقي واشنطن جسورها مفتوحة على طهران التي تعتبر أن الضغوظ الأميركية على تل أبيب غير كافية لتجنب توسيع الحرب. كما أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجاوب شكلا مع المطالب الأميركية ويفرّغها من مضمونها بأشكال مختلفة. ومع ذلك يصبح خيار بقائه في السلطة مطلبا أميركيا لتحاشي ظاهرة بن غفير واليمين الديني اليهودي. فواشنطن تعتبر أن التطرف الديني اليهودي يملك استعدادا لاستخدام السلاح النووي وهذا ما لا تريده الإدارة الأميركية.
في كل الأحوال مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين يتحرك في ضوء سياسة إطفاء الحرائق. أما حزب الله فيربط مواقفه بوقف الحرب الاسرائيلية على غزة. فالطروحات الأميركية إلى ترتيب الحدود البرية والإنسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا موصولة بسياسة مساندة غزة ومتابعة هذه المساندة طالما استمرت الحرب عليها. وهكذا كل الأمور اللبنانية موصولة بغزة. بما فيها ترتيبات الحدود والرئاسة والاستقرار. ومع ذلك فهم ما يجري وسيجري في الاقليم يرتبط إلى حد بعيد بظاهرتين: ظاهرة التقاطع الأميركي – الايراني وما تفترضه من التلاقي والافتراق واحتمالات المواجهات المحدودة والمدروسة. وظاهرة اليمين الديني اليهودي الذي لا يرتضي بالرؤية الأميركية لمكان ودور دولة اسرائيل إنما يشاء توسيعا جغرافيا وهيمنة سياسية وعسكرية واقتصادية. وهذا ما يدفع الوضع باتجاه سياسة الإنتظار ريثما تتكشف جهود الوساطات حول وقف النار وتبادل الأسرى وما إذا كان صمود غزة سينتج توازنات جديدة في الداخل الاسرائيلي تساعد واشنطن على الربط بين سياسات التطبيع وبين ’’التهدئة‘‘ الآيلة إلى ’’سلطة فلسطينية متجددة‘‘. وهذا ما يفسر الإعلان الصريح لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن القبول السعودي بالتطبيع مرهون بإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا.
عبد الهادي محفوظ