لا يكاد يمر يوم من دون أن تسجّل الأجهزة الأمنية شكاوى من مواطنين وخصوصاً مراهقين يتعرضون للإبتزاز والتحرش من خلال مواقع التواصل أو غيرها من الوسائل الإلكترونية، فيما يخشى المئات منهم التقدم بشكوى أو رفع الصوت ومواجهة المتحرش.
وللإضاءة على هذه القضية البالغة الأهمية، كان حديث لـ “ليبانون ديبايت” مع عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ ورئيس “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص، الذي ساهم في صياغة قانون التحرش الجنسي المقدم من النائب عناية عز الدين إلى المجلس النيابي، وكان الحوار الآتي:
ما هو السلوك الذي يجرم المتحرش؟
عرّفت المادة الأولى من القانون رقم 205/2020 (تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه) التحرّش الجنسي على أنه: “أي سلوك سيء متكرر خارج عن الـمألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للـمشاعر يقع على الضحيّة في أي مكانٍ وُجِدَت، عبر أقوال أو أفعال أو إشارات أو إيحاءات أو تلـميحات جنسية أو إباحية وبأي وسيلة تمّ التحرّش بما في ذلك الوسائل الإلكترونية، كما يشمل كلّ فعل أو مسعى ولو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو الـمعنوي أو الـمادي أو العنصري يهدف فعلياً للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو الغير”.
ومن المعلوم أنه قبل هذا القانون، لم يكن هناك تعريف للتحرّش في القانون اللبناني، وقد وسّع هذا التعريف مفهوم التحرّش المجرّم ليشمل حتى التحرّش عبر الوسائل الالكترونية، ووفقًا لهذا التعريف، يُعتبر التحرش الجنسي أي سلوك سيء يتكرر ويخرج عن المألوف، ويكون غير مرغوب فيه من قِبَل الضحية. يتضمن هذا التحرش العنصر الجنسي ويشكلّ انتهاكًا للجسد والخصوصية والمشاعر للضحية، ويشمل التحرش الجنسي السلوك الذي يحدث في أي مكان تواجد فيه الضحية، سواء كان في الأماكن العامة أو الأماكن الخاصة.
ويشمل السلوك غير المقبول أقوالًا، وأفعالًا، وإشارات، وإيحاءات، وتلميحات جنسية أو إباحية، سواء كانت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل الاتصال الإلكترونية.
وتشير هذه المادة أيضًا إلى أن التحرش الجنسي يمكن أن يكون فعلًا واحدًا أو مسعى غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغوط النفسية أو المعنوية أو المادية أو العنصرية، بهدف الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها المتحرّش أو شخص آخر.
ما أهداف التركيز على هذا التعريف؟
يهدف إلى حماية الأفراد من أشكال التحرش الجنسي المختلفة والتصرفات غير المقبولة، وتطبيق العقوبات القانونية على المُعتدين والمتحرشين، علماً أنه طالته بعض الإنتقادات من قبل القانونيين والحقوقيين لاسيّما لجهة استخدام المشرّع اللبناني لكلمة “غير المألوف” في الإشارة إلى سلوك المتحرّش، الأمر الذي يترك مجالاً للتأويل والإستغلال وقد تؤدي إلى إستبعاد حالات التحرّش التي تحصل بين الأزواج أو المرتبطين بعلاقة، إلا أن هذا الأمر مقصود لأن معيار التحرش هو معيار شخصي والفعل “غير المألوف” يختلف من شخص لآخر، وهذا ما يترك لتقدير القضاء. إلاّ أن الأساس، يبقى في المبادرة التي قامت بها النائب عز الدين من خلال هذا القانون، من أجل معاقبة كل متحرّش، وتوفير العدالة للضحايا.
كيف من الممكن للضحايا وخصوصاً الصغار أن يدركوا أنهم في مواجهة متحرّش؟
يغلب على المتحرش الطابع العدواني وحب الأذية لمن حوله ويستمتع بأذى ومعاناة الآخرين ويقال عنه في الطب النفسي بأنه “سادي”. كما أن من أكثر الصفات الواضحة على المتحرّش أنه يشعر دائماً بنقص يعيشه في داخله، فضلاً عن حبه للسيطرة، ولضعف شخصيته لا يستطيع أن يصل لمرحلة أن يتحكم بأفراد، فيلجأ لمن هم أضعف منه ليحقق الرغبة الداخلية بحب التحكم والسيطرة، وأنه يستطيع أن يفعل ما يريده دون أن يحاسبه أي أحد فالضعيف سينصاع للأوامر دون أن يتحدث أو يقول ما بداخله، فشعور الخوف الذي يصيب الضحية يشبع رغبة لدى المتحرش.
هل التحرش محسوب فقط على الرجال؟
لا يقتصر التحرّش فقط على الرجال، فقد سمعنا العديد من قصص التحرّش التي كانت الفاعلة فيها هي إمرأة كالتحرّش في المدارس، ولكن سلوك التحرّش أكثر شيوعاً لدى الرجال.
إذا تحرّش رجل بإمراة في الطريق، كيف تستطيع أن تلاحقه من دون إثبات؟
الخطوة الأولى في إثبات جريمة التحرش الجنسي هي الإبلاغ عنها، حيث يجب على الضحية أن تبلغ السلطات المختصة بالتفاصيل والمعلومات المتعلقة بالواقعة. بعد ذلك، يتم تحديد مكان حدوث التحرش وجمع أدلة قوية لدعم قضية الضحية.
قد تكون الكاميرات الموجودة في المكان المشتبه به مفيدة كونها قد تسجل الواقعة وتوفر دليلاً قوياً، فيتم البحث عن أشرطة الفيديو أو أي أدلة أخرى تمكن من إثبات حدوث التحرش.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشارك شهود عيان على الحادثة شهاداتهم التي من الممكن أن تدعم قضية الضحية.
لكن عملية إثبات جريمة التحرش الجنسي تعتبر صعبة، حيث يقوم الجاني بارتكاب الجريمة في سرية تامة ويتخذ إجراءات لضمان عدم الحصول على أي دليل يدينه، على أن يتمّ جمع أدلة قوية وإقامة قضية قوية لإثبات التحرش الجنسي.
لذا، يجب أن يتعاون النظام القضائي والشرطة للتحقيق في الجريمة وجمع الأدلة اللازمة. يقوم القاضي بدراسة التقرير المعد بعناية ويحدد ما إذا كان سيفرض عقوبات على المتهم بناءً على الأدلة المقدمة والقوانين المعمول بها.
ما هي عقوبة المتحرش بالقانون اللبناني؟
عاقبت المادة الثانية من القانون رقم 205/2020(تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه) التحرّش الجنسي وفقاً لما يلي:
أ – يعاقب كل من اقدم على ارتكاب جريمة التحرش الجنسي بالحبس من شهر حتى سنة وبغرامة تتراوح بين ثلاثة أضعاف وعشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ب – يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من عشرة أضعاف إلى عشرين ضعفاً الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1- إذا كانت جريمة التحرش حاصلة في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل.
2- اذا وقع التحرش في إحدى الإدارات الرسمية أو العسكرية أو الـمؤسسات العامة أو البلديات أو الجامعات أو الـمدارس أو الحضانات أو الـمعاهد أو الأندية أو وسائل النقل.
3- إذا كان الـمتحرش موظفاً وفقاً للتعريف الـمنصوص عليه في الـمادة 350 من قانون العقوبات، وتعسّف باستعمال السلطة التي يتمتّع بها بحكم الـمهام الـمكلَّف بها، أو بمعرض القيام بالوظيفة أو بسببها.
ج – يعاقب بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة تتراوح من ثلاثين إلى خمسين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في الحالات التالية:
– إذا وقع الجرم على حدث أو على شخص من ذوي الإحتياجات الإضافية أو على من كان لا يستطيع الـمدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحي الجسدي أو النفسي.
2- إذا كان الجاني ممّن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على الـمجني عليه.
3- إذا ارتكب فعل التحرش شخصان أو أكثر.
4- إذا استخدم الجاني الضغط الشديد النفسي أو الـمعنوي أو الـمادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية.
في حال التكرار أو الـمعاودة، ُتضاعف عقوبة الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى في كل الحالات الـمذكورة أعلاه، أو يكون الحبس والغرامة معاً في الحالات الـمنصوص عليها في الفقرتين (ب) و (ج) من هذه الـمادة.
ما أسباب إطلاق سراح غالبية المتحرشين في لبنان والعالم العربي؟
قد يكون سبب إخلاء السبيل، ضعف الأدلّة المتواجدة بيد القضاء التي تدين المتحرّش، أو تدخل سياسي لاسيّما في حال كان المتحرّش مدعوماً من قوة معيّنة، أو الضغط على الضحيّة من المجتمع أو أهلها لإسقاط شكواها بحق المتحرّش في ما يسمى الحفاظ على السمعة والشرف، وهنا يبرز الدور المهم الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني في الدفاع عن حقوق الضحية وفضح المتحرّش خاصةً عبر وسائل التواصل الإجتماعي واستعمالها للضغط نحو العدالة للضحية ومعاقبة المتحرّش، وغالباً ما يكون صاحب سوابق، ولذلك إذا أبلغت عنه أي ضحية، ستشجع الآخرين.