كتب منير الربيع في “المدن”: يعيش رئيس الحكومة حسان دياب تورّماً منتفخاً في أناه المتضخمة. الزمن يبدأ به وإليه ينتهي. كل ما كان قبله ساقط، ولا يمكن أحداً أن يأتي من بعده.
أنا عون ودياب المتورمة
هو الحريص على المداورة في الوظائف، تلك التي أدت إلى عاصفة انتقادية كبرى بين الأورثوذكس والموارنة،على خلفية التعيينات الأخيرة. ووصلت المعركة إلى داخل البيت العوني الواحد. ودياب قارئ حصيف في مكنونات الرئيس ميشال عون المستميت رغبةً في إزالة كل ما له علاقة بالحريرية. لم يكن أحد يتوقع تعيين موظف جديد محسوب على سعد الحريري وتيار المستقبل. سيكون لذلك دلالة في مجالات مختلفة، أولها بازار المزايدة المفتوح في مسألة الودائع والأموال المنهوبة وتحميل مجموعة سياسية بعينها مسؤولية الفساد والانهيار.
يتكامل دياب مع وجهة نظر عون. في النرجسية المتضخمة. الطيور على أشكالها تقع، وتعلم من يداويها. أدرج دياب التعيينات المالية في مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية وهيئة الرقابة على المصارف في المحاصصة على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، وأطيح بها بفعل ضغط سياسي محلي ودولي، وصراع داخل التحالف الواحد الذي تشكّلت منه الحكومة.
أُسقطت التعيينات فخرج دياب معلناً رفضه منطق المحاصصة، الذي لم يرفضه عندما أدرجت على جدول أعمال الجلسة، وكان موافقاً عليها ومشاركاً في اختيار بعض الأسماء المقترحة للتعيين.
هذا ما تتكرر في الخطة المالية والاقتصادية. تحمّس دياب للاقتطاع من الودائع المصرفية، منطلقاً من بغض عميق للحريري وكل ما يمت إليه. هنا يلتقي أيضاً مع عون بمفعول رجعي. وصلت الحكومة إلى حدّ المساس بودائع الناس، فثارت ثائرة كثيرين، فطُرحت تساؤلات كثيرة حول الموقف الدولي مما يجري. وبالتحديد حول الموقف الأميركي الذي كان له وقعه وفعله في تعطيل التعيينات حرصاً على محمد بعاصيري وتمسكاً ببقائه في منصبه. ووضع الأميركيون فيتو على إزاحة بعاصيري. وهذا تدخل عنيف في سبيل موظف، بينما يغيب أي موقف أو تأثير في شأن إنهاء النظام المصرفي والاقتصادي اللبناني برمته من خلال الهيركات.
حزب الله والمصارف
كان وليد جنبلاط أول من اتخذ مواقف معارضة للحكومة وآلية عملها. لم يلاقه أحد من القوى الحليفة والصديقة. الجميع كان في حال استسلام لما يرسمه تورّم حسان دياب، واستشعاره بالقوة غير المحدودة، والطاغية على الجميع.
في المقابل، هناك من قرأ في ما يجري أن دياب يلبي طموحات وتطلعات حزب الله للواقع اللبناني بكليته، وخاصة بعد نجاح الحزب إياه في السيطرة على الحياة السياسية في لبنان، وبدئه الدخول بقوة إلى التأثير في القطاع المصرفي وسياسة المصرف المركزي. ومن أبرز الدلائل على ذلك تباهي حلفاء الحزب والمحسوبين عليه بأن موقف نصر الله هو الذي أرغم رياض سلامة على تحرير حسابات المودعين الصغار. هنا لا بد من التوصل إلى خلاصة وحيدة، تدل على ذكاء حزب الله مجدداً: من يهاجم المصرف المركزي وحاكمه وسياسته، يضغط عليه ليأخذ منه ما يريد.
في الوقت نفسه، يدّعي معارضو حزب الله أنهم يواجهونه في حماية سلامة، الذي لا يتخذ إلا القرارات التي تناسب الحزب وعون وباسيل. هكذا نجح حزب الله في جعل خصومه يدافعون عن سلامة وسياسته التي تلبي مصالح الحزب.
تفاصيل كثيرة من هذه المعادلة ستتكشف أكثر في الأيام المقبلة. فحزب الله لن يذهب إلى مواجهة في لبنان، عنوانها إقالة حاكم المصرف المركزي. فهو لا يريد الإخلال بالتوازنات مع الأميركيين، بل الضغط إلى أقصى الحدود لتحصيل المزيد من سلامة.
مزاد علني
هنا ثمة خلاصة لا بد من التوقف عندها: كما انعكست أزمة الدولار وانهيار الليرة وتحلل الدولة بمؤسساتها وقوانينها إيجابياً لصالح حزب الله، فإن تصرف الحزب حيال الخطة الاقتصادية والسياسة المالية التي ستتبع من الآن فصاعداً، ستصب في صالح الحزب نفسه مجدداً، وعلى مرأى الأميركيين وغيرهم من الأمم.
حزب الله يضع فيتو على الهيركات، إلا إذا كانت هناك صيغة تطال المستفيدين من الدولة. من دون اللجوء إلى صيغة الاقتطاع، سيكون هناك خيار واحد لا بديل منه: تسييل أملاك الدولة ومرافقها، ما يعني إمعاناً في إنهائها وانهيارها. وهذا يجري وسط استسلام كامل من معارضي عهد عون وحكومة حسان دياب وحزب الله. وأقصى ما فعله هؤلاء هو إثارة تساؤلات من هنا وهناك، وصلت إلى مسامع الأميركيين، الذين لا يبدون بعيدين عما يجري، وربما يتلاقى استراتيجياً مع مصالحهم.
مؤخراً دخلت السفيرة الأميركية على الخطّ في تحرك لحفظ ماء الوجه أمام ما يجري. تحركها هو الذي دفع بسعد الحريري إلى إعلان موقفه أمس، متعهداً بعدم السكوت على أداء الحكومة، تماماً كما فعل يوم رفع الصوت عالياً ضد التعيينات لأنها لن تبقي على محمد بعاصيري.
يقتصر التدخل الأميركي على التفاصيل الصغيرة، فيظن حلفاء واشنطن أنها إلى جانبهم وداعمة لهم، بينما المشروع الأكبر يسير بخطى متسارعة منذ وصول عون إلى الرئاسة إلى ما ينتج عن هذه الأزمة.
المصدر:المدن