عبثًا تحاول السلطة السياسية الحالية التفتيش عن حلول مؤقتة للأزمتين الإقتصادية والمالية بوسائل محلية، وعبر إجراءات اقلّ ما يُقال فيها أنها بمثابة لحس للمبرد، أو في أحسن الأحوال هي عبارة عن تسميك المساحيق التجميلية لإخفاء ما في الواقع من تشوهات لا تزول سوى بالمراهم، التي من شأنها معالجة الأسباب التي أدّت إلى تكاثر هذه التشوهات بفعل الإهمال والإستلشاق وترك الأمور على طبيعتها من دون أي تدخّل خارجي، وإضافة مؤثرات خاصة غير متوافرة من خلال المساحيق السطحية، التي تحاول تجميل الواقع قدر المستطاع بحلول مؤقتة وزائلة مع مرور الوقت.
إطلعنا على بعض ما تمّ تسريبه من الخطة الإقتصادية التي وضعتها الحكومة، والتي يمكن إعتبارها محاولة من بين الكثير من المحاولات، التي سبقتها كورقة بعبدا الإقتصادية وخطة الرئيس الحريري، التي كان عمادها التوصل إلى صفر عجز في الموازنات المالية الآتية، وهذه المحاولة، في رأي كثيرين، قد تكون وسيلة من بين الوسائل، التي يمكن أن توصل إلى نهاية مقبولة نظريًا، ولكنها ليست كافية لوحدها، بإعتبار أن تشعبات الأزمة المالية ضاربة في عمق الأعماق، وهي تتطلب إضافات خارجية لا بدّ منها لكي يتمكّن لبنان من النهوض مجدّدًا من كبوته، خصوصًا أنه غير قادر لوحده على السير في حقل من الألغام القابلة للإنفجارعند كل خطوة في غير محلها.
وفي إعتقاد بعض الخبراء الإقتصاديين أن إقتصار إعتماد الحل المنشود على العامل الداخلي، قد يكون حلًّا ناقصًا أو كمن يتغذّى بلحس دمه، ويقول هؤلاء أن لا مفرّ في النهاية من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، حتى ولو كان هذا الأمر مشروطًا وغير متطابق مع المواصفات اللبنانية، خصوصًا أن العالم منهمك اليوم بوباء الـ”كورونا”، وأن أي حديث عن المستقبل سابق لاوآنه ما لم يأخذ في الإعتبار المدى الذي يمكن الوصول إليه في غياب المعالجات الجذرية، إذ أن كل الإجراءات المتخذة حاليًا لا تعدو كونها إجراءات وقائية للحد من إنتشار الوباء وليس القضاء عليه، لأن كل بلد لاهٍ بمشاكله الداخلية، ولا مجال لأي مساعدة تأتي من هنا أومن هناك.وعليه، فإن المعوّل عليه في الظروف الراهنة، وإلى أن تنقشع غيمة الـ”كورونا” القاتمة عن سمائنا وسماء العالم كله، يبقى التضامن الداخلي الضامن الوحيد للوصول إلى شاطىء الأمان بأقل قدر ممكن من الأضرار والخسائر بالأرواح، على أن يبقى التفكير في ما هو آت، وفي ما ينتظرنا من نتائج هذا الوباء الخفي وتداعياته، على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي.
ولعل ما نشهده على صعيد هذا التضامن ما يخفّف من هول الكارثة الإقتصادية، إذ نرى الكثير من العائلات ليس لديها ما تسدّ به رمقها وما يطرد شبح الجوع عنها، وقد مدّت أكثر من جمعية إجتماعية يد المساعدة من دون ضجيج وبصمت العاطي، الذي يحرص على الكرامات ويقدّر الظروف القاسية للعائلات المستورة، وهذا ما يعبّر عن وحدة وطنية ليست غريبة عن الأصالة اللبنانية، التي تعرف كيف تعطي من ذاتها ومن دون منّة أو كثرة كلام دعائي.
وتأتي هذه الروح التضامنية لتسدّ بعض الفراغات، التي تعجز عنها الدولة ولكنها لا تستطيع أن تحّل محلها، في إنتظار الفرج وقيامة لبنان.
المصدر:لبنان 24