على طريقتها في عدم المواجهة، رغم أنها أطلقت على نفسها افتراضيًا اسم حكومة “مواجهة التحديات”، سرّبت حكومة حسان دياب خطتها الاقتصادية التي صاغتها لها شركة لازار، بعد 40 مسودة سابقة، لتجس النبض حولها قبل ان تتبنّاها. فخرجت الخطة بما يشبه القصاص الجماعي للناس وتحميلهم مسؤولية عجز الدولة عبر القضم من ودائعهم وتعبهم ومدخراتهم أو حتى من صناديق تعاضدهم وتعويضاتهم، في ما يشكل محاولة سطو موصوفة تحت اسم “هايركات” وبذريعة سد العجز في مالية الدولة.
خطة الاستيلاء هذه تقوم على سيناريو واحد واضح يقضي بشطب رأسمال المصارف البالغ عددها 63 مصرفا تمهيدا لعمليات دمج فيما بينها. عملية الشطب هذه، وفق مصادر مالية، تبلغ قيمتها 20 مليار دولار، ويبقى أمام الحكومة تأمين 63 مليار الباقية التي قررت ان تقتطعها من حسابات المودعين الذين تزيد ودائعهم عن 100 ألف دولار، وهذه الفئة بحسب تصنيف رئيس الحكومة لها هي “بحدود 10 بالمئة من المودعين، ما يعني أن 90 في المئة من الودائع لن تمس” بحسب دياب، وأن مقدار “الهايركات” قد يصل الى 50 في المئة، لكن ذلك يجافي الحقيقة تماماً كما تؤكد المصادر، ليبقى السؤال هل يقبل المودعون بذلك؟ وما هو رأي مصرف لبنان وجمعية المصارف بهذه الخطة؟
مصادر قانونية لفتت عبر “الأنباء” إلى أنه لا يحق للحكومة تحت أية ذريعة مدّ اليد على ودائع الناس أو أن تلجأ الى اقتطاع قسم منها، فهذا يعني أنها تتخلف عن حماية أموال الناس وتنكث بوعدها لهم، وهذا يعرضها للملاحقة القانونية.
وأوضحت هذه المصادر انه ليس صحيحًا أن دولاً كقبرص وإيطاليا وإسبانيا قد لجأت الى اعتماد هذا الأسلوب، مضيفة “هناك مسؤولون عن هذه الأزمة، وعلى الحكومة أن تكشف عمّن اختلس الأموال وأفلس الخزينة وتقديمه الى المحاكمة واسترجاع هذه الأموال المنهوبة بدلًا من التفكير بالسطو على ودائع الناس مهما كانوا من متوسطي الدخل او من الاغنياء”.
وبدا واضحاً أن تسريب الحكومة لخطتها وضعها في مواجهة مع قوى سياسية داخل صفوفها كحركة أمل، وتمتد لتشمل المودعين على اختلاف حجم ودائعهم، إلى الأحزاب المعارضة، إلى نقابات المهن الحرة، وإلى كل المنتسبين لصناديق التعاضد او التعويضات او الضمان الاجتماعي، أي أن الحكومة ستكون في مواجهة مع جبهة سياسية نقابية شعبية عريضة جدا، فيما كان افضل لها لو ملكت نية المعالجة أن تسلك أقصر الطرق لذلك، والتي تبدأ من ملف واحد أوحد: الكهرباء.
في هذا السياق، كتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر “تويتر”: “هكذا تقدم حكومة اللون الواحد على مصادرة أموال الناس وتصنيفهم ومحاكمتهم وفق معايير غير قانونية وغير دستورية وذلك وفق خط سياسي هدفه إلغاء أي اعتراض وصولًا إلى محاولة تطويع طائفي ومذهبي للإطاحة بالطائف والسيطرة المطلقة على مقدرات البلد لضرب ما تبقى من سيادة أصلا وهمية وشكلية”.
تزامنا حذّر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الحكومة من المس بأموال المودعين، في حين اعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ان الحكومة تقدم على خطة “انتحار اقتصادي”.
وفي هذا الإطار، طالبت مصادر نقابية عبر “الأنباء” بإجراء تدقيق مالي لمعرفة حجم الإنفاق في السنوات الماضية ومن هي الجهة التي أهدرت 98 مليارا، وأية مؤسسات وادارات عامة قامت بذلك، ولتكن الخطوة الأولى باتجاه استعادة الاموال المنهوبة، منبهة من المس بأموال الناس كما المس بكافة الصناديق المتعلقة بتعويضات نهاية الخدمة والضمان الاجتماعي والصحي، مذكّرة بأن ثورة 17 تشرين انطلقت شرارتها الأولى ضد الضريبة على “الواتساب” ولن تسمح بالمس بحقوق الناس ومكتسباتهم المادية مهما كلّف الأمر.
بدوره، عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم أكد في حديث مع “الأنباء” رفض الكتلة لمشروع “الهاير كات”، وهي ضده بالمطلق، فحقوق المودعين بالنسبة لها هي من المقدسات وممنوع المساس بها.
ورأى هاشم أن حل الأزمة الاقتصادية والنقدية هو في مكان آخر، وعلى الحكومة أن تفتش عن خطة اقتصادية واضحة.
هاشم نقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري انزعاجه ورفضه الشديد لهذا التوجه وهذه الروحية، واعداً بأن بري لن يدع هذه الخطوة تمر مهما كلف الأمر.
من جهتها، أعربت مصادر تيار المستقبل عبر “الأنباء” عن عدم تفاجؤها بما تنوي الحكومة فعله “لأن سياسة “مرقلي تا مرقلك” تجري على قدم وساق بين بعبدا والسراي”، متهمة فريق السلطة باستغلال أزمة كورونا لتمرير العديد من الصفقات ومنها صفقة “الهايركات”. المصادر سألت عن إعادة المال المنهوب الذي وعدت الحكومة به وإرسال المتورطين الى المحاكمة، قائلة “كل ما فعلوه منذ 4 أشهر يتركز على تحميل الحريرية السياسية مسؤولية ما جرى في السنوات الثلاثين الماضية في وقت كانوا شركاء في الحكومات التي تشكلت منذ العام 2005 وكانوا يصرون على ان يكونوا اوصياء على الوزارات التي تفوح منها روائح الفساد كالطاقة وغيرها”.
مصادر “المستقبل” دعت اللبنانيين الى التنبه لما تخطط له حكومة تدّعي الاستقلالية والتكنوقراط وإذ بها تسقط في أول امتحان.
وفي ظل كل هذا، لا يزال لبنان كما العالم أسير فيروس كورونا، في حين جددت وزارة الصحة التأكيد على ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي والتشدد في الاجراءات الرقابية لا سيما بعد الحالات الايجابية الجديدة التي اكتشفت في أكثر من منطقة لا سيما في بشري التي ستبدأ بعنزل نفسها عن محيطها بدءا من اليوم بعد ارتفاع عدد الاصابات فيها الى 51 حالة، ما يعني ان مخاطر انتشار هذا الفيروس لا تزال قائمة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر طبية عبر “الأنباء” ان أمام لبنان أسبوعين حرجين قبل التمكن من القيام بتقييم واضح للمرحلة التي وصل اليها.
المصدر:الانباء