نشرت مجلّة “نيويوركر” الأميركية مقالاً للمحررة، سوزان بي غليسر، وصفت فيه فيروس “كورونا” المستجدّ (COVID-19) بأنّه أصبح “القوة العظمى في العالم”.
وقالت المحرّرة إنّ وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، تحدّث يوم الثلاثاء إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش، عن أنّ وباء فيروس “كورونا” يمثّل أكبر تحدّ للعالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وأعلنت أكثر من 150 دولة حول العالم، معظمها ليست جاهزة لمواجهة الفيروس أنها مصابة وبشكل خطير به. وتوقع غويتريش نتيجة لذلك “تعزيزاً لعدم القدرة وتعزيزاً للاضطرابات وتعزيزاً للنزاع”.
وفي الولايات المتحدة اعترف الرئيس دونالد ترامب ومستشاروه بأن هناك إمكانية لوفاة 200.000 أميركي.
ويحضر قطاع رجال الأعمال نفسه لركود اقتصادي على نفس القاعدة في عام 2008.
ثم جاءت الأخبار المذهلة يوم الخميس وهي أنّ 6.6 ملايين أميركي سجلوا أنهم بدون عمل في الأسبوع الماضي، وهذا يعني أن 10 ملايين خسروا وظائفهم، وفقط في أسبوعين من الركود الاقتصادي الذي تسبب به فيروس “كورونا“. وبعد ساعة من هذا الكشف الفظيع ووسط أسبوع ربما كان الأكثر قتامة في حياته، كان ترامب يئن على “تويتر” ضد “تشومر الصياح” و”المشتكون” في مركز الوباء في مدينة نيويورك وأنه كان عليهم التحضير والاستعداد قبل وقت طويل من وصول الأزمة، بحسب تقرير “نيويوركر”.
ويوم الخميس كان يتحدث متذمراً عن “عملية ملاحقة بعد عملية ملاحقة” يقوم بها الديمقراطيون ضده. ووسط كل هذا نظم ترامب صورة جماعية غريبة مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، ووزير الدفاع وبقية قادة الأمن القومي ليعلن عن جبهة جديدة في الحرب ضد كارتل المخدرات المكسيكي. وفي هذه المناسبة ارتجل الرئيس متحدثاً عن جداره “الكبير الجميل” الذي يقوم ببنائه على الحدود الجنوبية و”أثره العظيم” وأعلن عن نشره قوات سلاح البحرية وحرس الحدود في الحرب ضد تجار المخدرات من المكسيك. وتفاخر بموقعه الأول على “فيسبوك” واتهم وزير الخارجية السابق جون كيري بخرق القانون عندما قدم النصح إلى إيران. وتحسر مرة ثانية أن لا أحد تبنأ بهذا الوباء وعلى قاعدة عالمية والذي كان معظم قادة الصحة في العالم يحذرون منه ولسنوات طويلة.
وبعد هذا الأداء تلقت الكاتبة ملاحظة من مسؤول سابق في الخارجية عمل مع إدارة ترامب قال فيها: “بجد، ما هذا؟ حرب جديدة ضد المخدرات؟ لقد فقد هؤلاء الناس الطريق وبطريقة أبعد من السخرية”.
وكشفت مجلة “فورين بوليسي” لاحقاً أن وزارة الدفاع كانت ضد هذا وأن هذا الترتيب جاء من الرئيس. وهو موضوع ليس مهما لرئيس الولايات المتحدة الأميركية. وتعلق الكاتبة أن “المرء عندما ينتهي من سماع الكلام المجنون والبشع وغير المتناسق والكاذب الذي يقوله ترامب كل يوم حول فيروس كورونا والأمور الأخرى فإنه يتذكر أن فيضان الكلام هو غطاء للإدارة ولم يكن هذا موجودا للرؤساء السابقين، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حيوية محلية أو اقثصادية وأمن دولي وحتى إدارة واضحة لأزمة”.
وتشير المجلة إلى أن “نسبة الموظفين الذين تم استبدالهم في المناصب العليا بالبيت الأبيض تصل إلى 83% حسب متابعة معهد “بروكينغز”، وهي نسبة أعلى من تلك المسجلة لإدارات رونالد ريغان وجورج دبليو بوش وباراك أوباما. وكانت قدرة الحكومة الفدرالية للرد على هذه الكارثة ضعيفة، فهذا الفيروس لم يكن من صناعة ترامب ولكن رد إدارته عليه كان غير متماسك وغير منظم وهو أمر متوقع منها”.
وفي 6 آذار عزل ترامب مدير طاقمه في البيت الأبيض وسط الأخبار التي كانت تتحدث عن عملية إغلاق لأكبر اقتصاد في العالم وعمليات إغلاق جماعية للمدارس والمحلات التجارية.
ولم يلتفت أحد لعزل ميك مولفاني وتعيين الجمهوري من نورث كارولينا مارك ميدوز خلفاً له. وقرر ميدوز الاستقالة من الكونغرس، وهذا أمر يطلبه القانون حتى لا يتهم بالعمل في الفرعين التشريعي والتنفيذي في وقت واحد.
ويواجه ترامب أخطر أزمة في رئاسته ولم يكن هناك شخص ليدير البيت الأبيض العاجز المليء بالفصائل المتحاربة. وتصف الكاتبة ميدوز بالرجل الانتهازي والمعلق على شبكات التلفزة وانضم إلى فلك الرئيس وبدون خبرة تنفيذية أو سمعة قيادية، فقط هو صاحب شركة تعهدات بناء صغيرة في أعالي نورث كارولينا.
وفي عام 2016 احتقر ميدوز ترامب وفكر بعدم المشاركة بالمؤتمر العام للجمهوريين في كليفلاند وكما قال الصحافي، تيم ألبرتا، مؤلف كتاب “مذبحة أميركية: على الخطوط الأولى في الحرب الأهلية بين الجمهوريين وصعود ترامب” فإنّ ميدوز كان يخشى “العيش مع إرث ترشيحه ترامب المتقلب”.
وسرعان ما حول المعسكر في مجلس النواب الذي قاده باسم تجمع الحرية إلى أهم صوت مدافع عن ترامب. وفي يوم الثلاثاء أصبح رابع رئيس طاقم في البيت الأبيض وفي أقل من أربعة أعوام.
وكان ترامب قد عزل قبل عام كيرستيان نيلسن، وزير الأمن الوطني- وهي مؤسسة ضخمة أنشئت بعد هجمات 9/11 للرد على أزمات محلية كبرى، مثل الأزمة الحالية. ولم يعين بديلا عنها بل لا يوجد أي حديث عن عمله هذا. ولا يوجد لدى الوزارة لا نائب أو مدير تنفيذي ولا حتى مساعد للإدارة. ولا يوجد حتى مساعد إداري مسؤول عن إدارة النقليات الأمنية.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن من بين 75 منصباً مهما في الوزارة فهناك 20 منصبا إما شاغرة أو يديرها مسؤولون بالإنابة. وينسحب هذا على كل الحكومة.
ووسط فيروس يقوم بتفكيك العالم لم يعين ترامب مديرا للأمن القومي بموافقة من مجلس الشيوخ، بعدما دفع بمدير الوكالة والقائم بأعماله بحجة عدم الولاء. وعندما أرسل كابتن حاملة للطائرات تدار بالقوة النووية “يو أس أس تيودر روزفلت” مذكرة طلب فيها المساعدة بعد إصابة عدد من بحارته بـ”كوفيد-19″ أعفاه القائم بأعمال قائد البحرية من منصبه.
وأجبر قائد البحرية السابق على الاستقالة في تشرين الثاني عندما اعترض على تدخل ترامب في حالة تتعلق بجريمة حرب تورط فيها بحار من قوة الفقمة واثنان آخران.
وفي وزارة الدفاع فإنّ مساعد وزير الدفاع المختص بسياسة التخطيط للجيش أعفي من منصبه بدون بديل له. وهو منصب رئيسي في وقت يدعو فيه انتشار الوباء لإعادة النظر في استراتيجية الأمن القومي.
وعلى صعيد البيت الأبيض فمعظم المناصب التي شغرت بسبب وقف ترامب فريق الرد على الأوبئة في مجلس الأمن القومي. وحتى في المناصب التي ملئت في مجال الصحة إلا أن المشكلة كما يقول ستيفن موريسون من مركز الدراسات الإستراتيجية والدوية كانت بسبب الضعف وعدم الفهم أو محاولة نزع السلطات.
وتعلق الكاتبة أنها في زمن آخر كانت ستقوم بآخر رحلة لها قبل الحجر في واشنطن إلى مؤتمر “دور أميركا في العالم” بجامعة إنديانا، وتقول إنها قابلت ويليام بيرنز، المسؤول السابق في الخارجية والذي يدير مركز كارنيغي للسلام العالمي وقبل ذلك عمل مع 5 إدارات وكتب في الخريف الماضي مقالا بفورين أفيرز “تدمير الدبلوماسية الأميركية” وقال إن الخارجية لم تتعرض لضربة ساحقة منذ جوي ماكارثي. واتهم إدارة ترامب بإفراغ الخارجية.
وتضيف أن تصريحات بيرنز جاءت قبل 6ستة أيام من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تحول فيروس “كورونا” إلى وباء وإعلان ترامب عن الطوارئ القومية.
وبحلول يوم الأربعاء كانت الصين وروسيا ترسلان طائرات محملة بالمساعدات الطبية إلى أميركا التي تواجه أزمة، مما يعني انقلاب علاقات عامة لأعداء أميركا ورحب به ترامب.
ولخص وزير الخارجية السويدي السابق كارل بيلدت مهرجان ترامب وأحداث الأسبوع هذا بتغريدة على “تويتر”: “هذه أكبر أزمة في مرحلة ما بعد العالم الأميركي”، و”لم يكن مجلس الأمن حاضرا وأصبحت مجموعة العشرين بيد ولي العهد السعودي فيما طبل البيت الأبيض لفكرة أميركا أولا وكل واحد يتصرف بنفسه، فقط الفيروس أصبح معولماً”.
المصدر:لبنان 24