عندما يتغوّطُ الوَطواطُ الصّيني .

“ليبانون ديبايت” – روني ألفا

كرَةٌ أرضيَّة بِمكابِح. كورونا كبَحَ سرعَة الكَوكَب. مَكابِح مصنوعَة من جلودِ القَتلَى. صارَت حَرَكَة سَخيفَة مِثِل فرك العَين بالإصبَع تَحذيراً شديدَ اللّهجَة في حملات التّوعيَة. قبضَة باب. منفضَة أو شَوكَة طَعام. عَودَة إلى الصّابون البَلدي ولَبخاتِ البُخار. زَمَن إستِثنائي.

جرثومَة أقوى من حِلفِ النّاتو. تفتُك برؤساء دُوَل ورؤساء حكومات ووزراء ونواب وأصحاب سموّ مَلَكي وأُمَراء. حالَة تَعبئَة لِتَصنيع آلات ضَخّ أوكسِجين إصطناعي. الكلّ منخَرِط بالمواجهَة. مِن مصانِع السيارات مروراً بمصانِع البرّادات وصولاً إلى الهواة.

حَجر منزلي. مَنع تجوّل تحتَ طائلَة أننا مِن دون ” مُخّْ “. السينَما صارَت في البيت. اختفَت أكواب القهوة المَصنوعَة من البلاستيك التي كنّا نشتريها من مقاهي الماركات العالميَة على الطرقات الرئيسيَّة في عزِّ الزّحمَة. درَجَت موَضة فناجين الشّفَة مِن جديد.
صرنا نحب الأصدقاء في بيوتِهِم. فتَحَت الجامعات والمَدارِس فروعاً في بيوتِنا. حتّامَ؟ الآجال بيدِ الله.
كانَ العَمَل من المنزِل ممنوعاً. إحترام دَوام العَمَل كانَ يَخضَع لِتسجيل الحضور. آلات لِنسخِ البصمَة لتأكيد التقيّد الصّارِم. صارَ العَمل المنزِلي هوَ الدّوام. لا بصمَة ولا مَن يبصمون. الوظيفَة الجديدَة صارَت مِن دون تراتبيَّة. المدير والمتدرِّج سيّان.

منذ أكثَر مِن أربَعين سَنَة والعالَم يبشِّر بالعَولَمة. فَتحُ الأسواق. حريَّةُ تجوّل الرساميل والبضائع والأشخاص. عبارات مثل ” القريَة الكَونيَّة ” صارت جزءاً من ثَقافَتِنا.
في غضون أيام قليلة. أُغلِقَت الحدود بين الدّول. الأسواق العالمية أُربِكَت. دخلَت إلى شَرنقتِها. مثلها مثل رأس السّلحفاة المنحسِرَة داخِلَ بيتِها الخَشبي بعد استشعارِ الخطَر.

إستِنهاض الهِمَم على لِسانِ قادَةِ العالَم لَن يكون مفيداً. مَصارِف ستعلِن إفلاسَها. شَرِكات عَملاقَة سَتنهار. بَطالَة ستستَشري. مَنظومَة ليبيراليَة حَكَمت العالَم بعد الحرب الكَونيَة الثانيَة ستُسوّى بالأرض. كل ذلك على وَقع عبارات رفع الهِمم وشَحذ الطّاقات.

تذكَّر الزّعماء أنهم طَرايا العود. نسَوا بأي فوقيَّة تعامَلوا مَع النازِحين والمهاجِرين والعَرَب والمسلِمين والمسيحيين واليَزيديين. كيفَ ألّهوا عَظمَة العِرق الأبيض. كيفَ نكّلوا بالسّود. كيفَ نهبوا القارّة الأفريقية. كيفَ احتبسوا حرارة الأرض. نسوا هيروشيما وناغازاكي. نسوا غاز الخردَل وغاز السّارين. ردّتهم جرثومَة تحمِل جَواز سَفَر صيني إلى صَوابِهِم. ردّهم وطواط إلى صَوابِهِم.
تذّكّرنا أخيراً بِفضلِ كورونا أننا نسكنُ في كَوكَب صَغير جلدناهُ وسَلَخناهُ وأكلنا لحمَه. كوكَب هوَ أصلاً بِحَجمِ حبَّة رَملٍ غير مرئيَّة في المجرّة ونحنُ فيه كائنات مجهريَّة أصغر مِن ذرّةِ الذرَّة.

عِشنا عَلى وقعِ التّحذيرات والإنذارات. لَم يبقَ عالِم جغرافيا وتاريخ وبيئَة وجيولوجيا إلا وحذَّرَنا. لَم ننصَع إلا إلى كورونا. وصَلَت إلى الرّئَة فقطَعَت أنفاسَنا. أكثَر ما يُرعِبنا حقيقَة أن جنائِزَنا لَن يَكونَ فيها معَزّون يأخذون بالخاطِر.

العالَم مقبرَة جَماعيَّة. إيطاليا لوحدها مقبَرَة العالَم. ألف وَفاة في يومٍ واحِد. ساحَة القديس بطرس مقفَرَة. فيها بطرس فقط. قدّاس الفصح سيُحييه بابا روما عبرَ سكايب.
صلّينا مع الأب الأقدس صلاة الغفران من بيوتِنا. رأيناه يقبّل بِورَعٍ رِجلَي المَصلوب طالِباً شفاعَته للشفاء من المَرَض. كلّ ذلك بسبب فيروس.

جرثومة علّمتنا التّواضع. أظهرَت هشاشتنا وهَزالَتنا وشحَّ موارِدِنا. أدمِغَة كلّفَت الأنظمَة آلاف مليارات الدّولارات لتصنيع الأسلِحَة الفتّاكَة. أدمِغَة حائِرَة أمام خفّاش قرّرَ أن يتغوّطَ في المَكان الخَطأ.

كتبَ ألبير كامو في ” الطّاعون ” أنَّ حكومات العالَم دائِماً ما تجد نفسَها مسبوقَةً أمام أهوالِ الطبيعَة والأوبئَة والحروب. إعادَة صياغَة السياسَة هي ما يَجِب التركيز عليه في هذه الأزمنة المخضَّبَة باليأس المصيري. على ضفَّةٍ أكثَر فُكاهَة أستذكِر تَعريف الممّثِل الكوميدي الفرنسي كولوش للسياسة حيث يَقول: ” السياسَة ليسَت أمراً معقّداً. كلّ ما يَجِب أن نتحلّى بِه هو أمران، ضَميرٌ حيّ وذاكِرَة جيدّة.” الأوَّل لنَحكم من أجْل الإنسان لا لإجَلِه. الثاني حتى لا ننسَى أمثولات التاريخ وقد أتتنا هذه المرّة عَلى شَكل خفّاش ” صُنِعَ في الصّين.

المصدر:LebanonDebate