اللبنانيون يموتون: استبدال دواء السرطان بالمياه.. والتوصيل عبر الهاتف!

يغرق قطاع الدواء إلى مستويات أعمق مع تقدّم مراحل انهيار البلاد. فمعدّلات تهريب الأدوية تزداد في مقابل ارتفاع منسوب شحّ الأدوية المؤمَّنة بصورة شرعية عبر الشركات المستوردة، الأمر الذي يوقِع الصيدليات والمرضى في مأزق عدم توفّر الدواء، وتالياً مغريات القبول بالدواء المهرَّب الذي بدوره ينقسم إلى قسمين، المزوَّر تماماً أو فاقد الفعالية. ولا يمكن التأكّد من القسمين إلاّ بالاختبار، وهي مهمة يستحيل تطبيقها وسط الفوضى المستمرة في البلاد.
والنتيجة: أدوية سرطان في الشكل، وإبر مياه في الجوهر. أو أدوية سكّري بلا فعالية. ولأن الرقابة غائبة، ينتشر الترويج لهذه الأدوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل نصيّة عبر الهواتف.

رسائل عبر الهاتف
يتلقّى عدد كبير من الصيادلة رسائل عبر هواتفهم من أرقام لبنانية، تعرض عليهم شراء أدوية من تركيا، والتوصيل مجاني خلال 3 أيام. مع التأكيد على حفظ الأدوية بالتبريد، وفي ذلك دلالة على “ضمان الجودة”. واللافت في إحدى تلك الرسائل هو توسيع النشاط نحو الأردن، ما يدل على أن صاحبها يعمل بصورة منظّمة وضمن إطار واسع، على عكس بعض “التجار” الذين يعملون فردياً، عبر شراء الدواء من تركيا وبيعه للصيدليات في لبنان، على نطاق ضيّق.

للوهلة الأولى، قد يبدو أن هذه العروض تخفّف من أزمة شح الدواء في السوق. لكن المسألة ليست بهذه البساطة. لأن “الدواء السليم يجب أن يُستَورَد ويُحفَظ بطريقة صحيّة، وبما أن الأدوية المنتشرة حالياً هي أدوية مهرَّبة، وبعضها آتٍ عبر أفراد تحت ستار الاستعمال الشخصي، فهي لا تُحفَظ بالطريقة الصحيحة، ما يُفقدها فعاليتها في أحسن الأحوال، ويحوّلها إلى سم قاتل في أسوئها. وفي الحالتين، لا يستفيد المريض منها، بل يتعرض لخطر الموت”، وفق ما تؤكّده مصادر صيدلانية لـ”المدن”. وتضيف، أن المشكلة الأكبر تكمن في أدوية السرطان والسكّري وغيرها من الأدوية المزمنة والمستعصية. ففقدان دواء السَّعلة لفعاليته، لن يقضي على المريض، في حين أن بيعه دواءً للسرطان أو السكّري، سيعرّضه للموت.
وتقول المصادر أن “بعض الصيادلة يجد في الدواء المهرّب فرصة لزيادة الربح. فالدواء المسعّر في لبنان بنحو 500 ألف ليرة، ويربح منه الصيدلاني 90 ألف ليرة، يقابله دواء مهرّب بنحو 350 ألف ليرة، وربحه يصل إلى نحو 150 ألف ليرة”. والمشكلة الأكبر، أن هذا النوع من الأدوية، يغري المرضى نظراً لانخفاض سعره “والصيدلاني المشارك في هذه العملية، لن يقول للمريض بأن الدواء مهرَّب أو من دون فعالية”.
وحسب المصادر، فإن خطورة التهريب “لا تقتصر على بعض الأفراد أو المجموعات، بل في حصولها عن طريق جماعات حزبية نافذة في لبنان، تُدخل الدواء الإيراني والسوري، من دون شهادات منشأ وشهادات الجودة ومن دون خضوعها لأي اختبارات. كما أن تلك الجماعات يتوفّر لديها كميات كبيرة من الأدوية الأصلية المفقودة من السوق”.

مياه بدل الدواء

وصول الأزمة إلى حدود متقدّمة، دَفَعَ نقيب الصيادلة في لبنان جو سلّوم، إلى التحذير من الاستهتار في مراقبة عمليات التهريب. ورغم تأكيده في حديث لـ”المدن”، على أن “الدواء المهرَّب، وخصوصاً المزوَّر منه، موجود خارج الصيدليات”، إلاّ أن وجود هذا النوع من الدواء في السوق، هو بحدّ ذاته جريمة، لأن المريض يحصل عليه سواء عبر الصيدلية أو غيرها.

لكن كلام سلّوم لا يعني حصرية وجود الدواء الموبوء خارج الصيدليات. فأدلة الصيادلة واضحة حول توفّر تلك الأدوية داخل الصيدليات وليس فقط خارجها.

ما يهمّ أكثر، هو جزم سلّوم وجود إبر مياه بدل أدوية السرطان “فإحدى الصيدلانيات اكتشفت أن دواء السرطان الذي اشتراه المريض ليأخذه في جلسة العلاج السرطاني في المستشفى، ليس سوى إبرة مياه”. وهذه الحادثة ليست جديدة بحد ذاتها، بل تعيدنا بالذاكرة إلى العام 2017 حين افتضح أمر التلاعب بالأدوية وإعطاء إبر مياه وتقاضي مبالغ مالية كبيرة في مستشفى بيروت الحكومي. ما يثبت أن هذا النهج مستمر منذ ما قبل الأزمة، لكنه تزايد في ذروتها.

بالتوازي، فإن “سعر بعض الأدوية المهرّبة أعلى من سعر الأدوية القانونية، لأن الأخيرة لا تتوفر في السوق دائماً، فيما المهربة يجري حجزها والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي”. وأمام هذا الواقع، لا تجد نقابة الصيادلة سوى مناشدة القوى الأمنية منع التهريب “بغضّ النظر عن الجهات المهرِّبة، سواء المدعومة حزبياً أو غير المدعومة، لأن التهريب مضرّ”.

لا حلَّ جذرياً

ترتبط مسألة وجود الدواء المهرَّب والمزوَّر بمدى جدية عمل الدولة بكل أجهزتها ووزاراتها ومؤسساتها، وهو عمل مفقود منذ ما قبل الأزمة، ومتزايد خلالها. وما يفاقمها هو العلاقة المضطربة بين وزارة الصحة ومستوردي الأدوية ومصرف لبنان. وعماد هذا الاضطراب هو عدم توفّر الدولارات للاستيراد من جهة، بالإضافة إلى تخزين القسم الأكبر من الأدوية التي يتم استيرادها، بهدف رفع أسعارها مع الوقت. ففاتورة الاستيراد زادت، وتوفّر الأدوية ما زال يتناقص. وما يصعّب الأمر، هو امتناع الشركات الأجنبية المصدِّرة، أحياناً، عن توريد شحنات الأدوية بسبب تأخّر تقاضيها مستحقاتها من المستوردين اللبنانيين.

هذه العوامل يقابلها تأثير تراجع سعر الليرة على قدرة الصيادلة على شراء المزيد من الأدوية. إذ يبيعون الدواء بالليرة وفق تسعيرة محددة، لترفع الشركات المستوردة لاحقاً أسعارها، فيصعب على الصيادلة شراء المزيد. وهذه الفجوة تساهم في شح الدواء في الصيدليات، وتالياً، تعزيز التهريب، بمعزل عن جودة الدواء المتوفّر. وتكامل شح الدواء مع ارتفاع أسعاره، يجعل المرضى يطلبون الدواء بـ”الشريط أو الظرف” وليس بعلبته الكاملة. “ولاحقاً قد يُطلَب الدواء بالحبّة”.

المصدر: المدن