طرابلس “مريضة” وسكانها يخافون شرب الماء!

مع مرور 3 أيام على زيارة وفد من وزارة الصحة إلى طرابلس، لم تعلن الأخيرة بعد، وبصورة رسمية تحسم كل السجال الدائر، السبب الحقيقي لانتشار التهاب الكبد الفيروسي أو اليرقان. علمًا أن كل المعطيات ترجح أن يكون تلوث المياه هو السبب الجوهري لدخول العشرات إلى مستشفيات المدينة وملئ أسرتها، وتذكِّر نسبيًا بمشاهد المستشفيات لدى انتشار فيروس كورونا، نظرًا لمخاطر تفشي العدوى.

التنصل من المسؤولية
وفيما تتحدث مصادر طبية لـ”المدن” عن تزايد أعداد المصابين بالفيروس بما يفوق 118 إصابة، أعلنت وزارة الصحة رسميًا عنهم، تفيد معلومات أخرى أن تسجيل الأعداد الإضافية يتوقف يومي السبت والأحد، ومن المنتظر أن تعلن رسميا يوم الاثنين. وتقول مصادر من مصلحة الصحة الشمالية لـ”المدن” إن فترة حضانة هذا الفيروس طويلة تتراوح بين 7 و50 يومًا، وتاليًا، أي إصابات جديدة يجري تسجيلها تكون على الأرجح قديمة لدى انتشار العدوى. كما يؤكد المصدر على أن كل الفحوص المخبرية أكدت عدم تلوث المياه.

في المقابل، يرى كثيرون أن وزارة الصحة وكذلك مؤسسة مياه لبنان الشمالي، يتنصلان من تحمل مسؤوليتهما، والتعتيم عن أهمية القضية ومخاطرها على المستوى الصحي، وسط تحذيرهما لأهالي طرابلس من مصدر المياه التي يشربون منها. ورصدت “المدن” تفاقم أعداد المصابين مناطق القبة، والشعراني، وجبل محسن، وضهر المغر، وأبي سمراء، وفي عدد من الأحياء الشعبية الفقيرة التي يشرب أبناؤها من شبكات المياه العمومية، وتحديدًا ممن يشربون من خزان “الحاووظ”، وسبق أن جفت المياه منه ورقدت لأيام عديدة بسبب انقطاع الكهرباء، ما يعزز فرضية تسرب الملوثات منه لدى ضخ المياه من جديد.

مأساة المستشفيات ومشكلة المياه
وتشكو مستشفيات طرابلس الخاصة والحكومية، كما معظم مستشفيات لبنان، من فوضى ونقص بكثير من المستلزمات الطبية والأدوية وتردٍ بالخدمات، نتيجة ضمور أعداد الطواقم الطبية والتمريضية، وحتى من بقي منهم يعمل بظروف صعبة، سواء بإدارة المستشفيات أو لجهة تآكل قيمة رواتب العاملين فيها. ورغم أن وزارة الصحة تكفلت بعلاج المرضى المصابين بهذا الفيروس في طرابلس، وما يترتب عنه من عوارض تقيؤ وحرارة وآلام بالجسد، إلا أن أهالي هذه المناطق يعبرون عن قلق شديد على صحتهم في ظل سرعة انتشار العدوى، وتسجيل أكثر من إصابة بالمنزل الواحد، وتطال الأطفال على نطاق واسع. وأكثر ما يثير امتعاض الأهالي، هو عدم ثقتهم بمياه الشبكات العمومية، في ظل عجزهم المادي عن شراء عبوات المياه الصحة والمعقمة.

وهكذا، تترك السلطات الرسمية ووزارة الصحة أبناء هذه المناطق لمصير مجهول، وأضحت صحتهم مهددة بأكثر حاجاتهم الإنسانية إلحاحًا لدى شرب المياه، التي أضحت نظافتها موضع شكٍ كبير مقابل الإنكار الرسمي لذلك.

وتعد قضية تلوث المياه في طرابلس، واحدة من قضايا كثيرة تثير قلق الناس، في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية واتساع رقعات الطبقات التي ترزح تحت وطأة فقرٍ مدقع. كما تتفاقم في فصل الصيف حالات التسمم الغذائي أيضًا، بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وما يترتب عنها من فساد الأطعمة في البرادات التي تنطفئ لساعات طويلة، خصوصًا أن مئات العائلات في طرابلس عمدت إلى قطع اشتراكاتها بالمولدات الكهربائية الخاصة، بسبب عجزها عن تسديد فواتيرها.

تخبط البلدية
في هذا الوقت، تعيش بلدية طرابلس تخبطًا كبيرًا بعد القرار المفاجئ لوزير الداخلية بسام مولوي قبل أيام، والذي قضى بإحالة رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، بناء على الشكوى المقدمة ضده من بعض أعضاء بلدية طرابلس، بجرم هدر المال العام. وفيما وضع يمق نفسه بتصرف القضاء مقابل رفضه المثول إلا في قصر عدل طرابلس وبشكل علني، يخشى كثيرون من تفاقم الخلافات ووتيرة المواجهة بين أعضاء البلدية المنقسمين على ذاتهم، في مدينة تجتاحها كل أشكال الفوضى والانهيار والأمراض.

جنى الدهيبي- المدن