فرض انتشار فيروس كورونا، مع ما سيخلّفه من تأثيرات على صعيد الاقتصادين العالمي والمحلّي، تحدّيات إضافيّة على القطاع المصرفي اللبناني.بدايةً، يجدر التأكيد أنّ هذا القطاع، ومهما تعرّض له في الأشهر الأخيرة، أثبت مناعةً نادرة. ما كان لمصارف في دولٍ أخرى أن تصمد كما حصل مع المصارف اللبنانيّة.
تدهورٌ ماليّ ونقديّ. انعكاسات سلبيّة للسياسات الحكوميّة المتعاقبة. ضغوطٌ خارجيّة وعقوبات. حملاتٌ في بعض الإعلام.
والآن فيروس كورونا الذي شلّ الحركة النقديّة والاقتصاديّة في لبنان والعالم.خاسران في النتيجة. المصارف والمودعون.
والإثنان في “خندقٍ واحد”. هذا ما يجب أن يحصل على الأقلّ، بدل أن يكونا في مواجهة.لقد أشاد كثيرون بما حقّقه القطاع المصرفي في لبنان من تطوّر وازدهار وانتشار. خرج القطاع منهكاً من الحرب، ولم يسلَم في زمن السلم من الخضّات.
وعاش مرحلة عدم استقرار أمني واقتصادي وحروب، بعد العام 2005، ومع ذلك خرج بنتائج مذهلة. فلنتذكّر الاغتيالات الكثيرة، بدءاً من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتفجيرات المتنقّلة، وحرب تموز 2006 وعدم التزام النأي بالنفس في الملف السوري… ومع ذلك حقّق القطاع المصرفي بين العامين 2008 و2011 فورةً يجدر التوقّف عندها.
يعود الفضل في ذلك، من دون شكّ، الى ما أنجزه رياض سلامة. ويعود الفضل أيضاً الى براعة المصارف، وقد كان اللبنانيّون روّاداً في هذا المجال في هذا الشرق.كثيرون، منذ الأسابيع الأولى لانتفاضة 17 تشرين، تخوّفوا من انهيارٍ مصرفيّ. لم يحصل الأمر. لن يحصل على الإطلاق. على المودعين أن يتحمّلوا، من دون شكّ. العبءُ كبير، من دون شكّ. ولكنّ انهيار المصارف، إن حصل، ستكون كلفته كبيرة جدّاً، وكذلك العواقب.لقد جنّبت قرارات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لبنان أخطاراً ماليّة، كمثل حظر المعاملات في المشتقّات التي كانت السبب الرئيسي لانهيار الأسواق الماليّة العالميّة في العام 2008.
وفي العام 2011، سبّبت الحرب الأهليّة في سوريا والتوسّع “الأعمى” المستمرّ للقطاع العام في لبنان أضرارًا يتعذّر إصلاحها لكلّ من ميزان المدفوعات وعجز الميزانيّة.
لذلك، يجب اعتماد تدابير ماليّة مبتكرة تصبّ في هدفٍ واحد فقط وهو كسب الوقت لكي تجد السلطات حلولاً للأزمات، إسوةً بما يحصل في دولٍ كثيرة. ولا يمكن إلقاء اللوم هنا على السلطات النقديّة، وتحديداً على المصرف المركزي، للقيام بما تقوم به أيّ هيئة مماثلة في أيّ بلد في مختلف أنحاء العالم.
السلطة السياسيّة هي التي تتحمّل المسؤوليّة هنا، وهي من عليها أن توجّه وتقوم بواجبها، وهو ما لم يحصل في لبنان حتى الآن.وخير مثال على ذلك هو النقطة الأساسيّة في رسالة رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد بعد الكشف عن مجموعة حوافز ماليّة، وفيها تشدّد على حثّ الحكومات على تشكيل “استجابة طموحة ومنسّقة للسياسة الماليّة” لتتناسب مع ضخّ البنك المركزي الأوروبي المزيد من السيولة.وهذا يسلّط الضوء بشكل فعّال على أنّ السياسة النقديّة وحدها لن تكون كافية أبدًا لمكافحة التداعيات الضارّة للأزمات.الكرة في لبنان ليست في ملعب المصارف، بل في ملعب السلطة السياسيّة، وهذه عادةً ما تضيّع الفرص و… الأهداف.
المصدر : MTV .