تحت مظلة الفيتو الأميركي، دأب العدو الصهيوني على اعتبار المدنيين أهدافاً دسمة أو أضرارا جانبية بحسب مصالحه التي يسعى لها في الحروب، وباتت جرائمه متعددة الجنسيات من فلسطين الى سوريا ومصر ولبنان، والشواهد كثيرة.
لكن بالوصول الى الثامن عشر من نيسان عام ستة وتسعين، يتجلى خرق القوانين الدولية والانسانية بأفظع مشاهد الاجرام خلال مجزرة قانا، فالغطاء الدولي لم يكن على صعيد القانون فقط هذه المرة، بل كان غطاء المدنيين الهاربين من الموت الى الموت، على فراش الأمم المتحدة، وتصفيق الفيتو الاميركي.
من الجدير ذكره، انه قبل مجزرة قانا بساعات نالت طائرات العدو من آل العابد في بلدة النبطية الفوقا فأسقطت منهم ثمانية شهداء بينهم ستةُ أطفال، وبالرجوع خمسة ايام الى الوراء، استهدفت مروحية العدو بصاروخٍ سيارةَ إسعاف على طريق المنصوري، والحصيلة ستةُ شهداء بينهم ثلاثة أطفال وسبعة جرحى.
بالعودة الى قانا، نستحضر موقف الناطق الرسمي باسم القوات الدولية تيمور غوكسل يومها، حيث وصف المجزرة بالكاملة والشاملة، مؤكداً أن القوات الدولية لم تتلق أي إنذار “إسرائيلي” مسبق بالقصف، وأن الجنود الدوليين أصيبوا بالعجز والذهول.
ومن خلال شهادات جنود وحدة البطارية المدفعية “الإسرائيلية” التي شاركت في قصف قانا والتي نشرتها صحيفة “كول هعير” “الاسرائيلية”، يتبين مدى الطبيعة العدوانية للاحتلال الصهيوني، فقد اجمع هؤلاء على أن الذين قُتِلوا مجرد “عرابوشيم” أي عربان، وما الضرر في قتلهم، إننا غير آسفين لذلك ولو جاءنا المزيد من الأوامر لقتلنا عدداً اكبر منهم، يوجد عرب كثر، لا توجد مشكلة.
المستشار العسكري الهولندي في الأمم المتحدة أجرى تحقيقا رسميا في موقع المجزرة، ورفع تقريره بتاريخ 1 أيار 1996 إلى الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي حيث جاء فيه “استحالة أن يكون قصف القاعدة التابعة لليونيفيل في قانا نتيجة خطأ تقني أو اجرائي فادح كما ادعى ذلك مسؤولون في الجيش “الإسرائيلي”، وكانت هناك أدلة مهمة على انفجار قذائف مدفعية، مزودة بصواعق تفجير عند الاقتراب من الهدف، فوق المجمع مباشرة، وتغطيتها لجزء كبير من مساحته”.
وفي خضم الجدل الدولي، اعترف شمعون بيريز بمسؤولية الجيش وضباطه عن المجزرة، وفي الوقت نفسه شن هجوما على الأمم المتحدة لنشرها التقرير الذي أظهر بأن “إسرائيل” استهدفت المدنيين بشكل متعمد. وقد اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين “إسرائيل” ولكن الولايات المتحدة أجهضت القرار كالعادة باستخدام حق النقض الفيتو