لكثرة التواريخ التي إدخلت على روزنامة اليوميات اللبنانية، وقد يكون شهر آذار الأكثر إحتواء لها، إذ أضُيفت إلى الثامن والرابع عشر منه تاريخان جديدان هما السابع والخامس عشر، لم يعد اللبنانيون يحسبون جيدًا ما ترمز إليه هذه التواريخ، وهم يتمسكّون بتاريخ 17 أكتوبر كتاريخ مفصلي بين حدّين، ما قبل وما بعد، وهو اليوم الذي قرّر فيه الشعب أن ينتفض على سياسات خاطئة لم تجلب للبنان إلاّ الويلات، التي تجّلت يوم 7 آذار، حين قرّرت الحكومة عزل نفسها عن العالم، الذي يراقب كل خطوة ستخطوها حكومة “اللون الواحد” الساقطة بالمفهوم الشعبي، يوم أعلن معظم اللبنانيين عدم منحها ثقة لا تستحقها، وهي التي حصلت عليها بـ”حلاش الحمص”، من نواب تسللوا إلى مجلس النواب تحت جنح الظلام، وذلك خوفًا من أن يفضحهم نور النهار.
وكذلك فعل تاريخ 15 آذار، ولكن هذه المرّة عزل لبنان نفسه عن العالم، وبالأخصّ الدول المعتبرة موبوءة، من أجل حماية نفسه وأهله من خطر وباء “كورونا”. وقد يكون ما أتخذ في هذا التاريخ على المستوى الرسمي، ولو جاءت هذه الإجراءات متأخرة بعض الشيء، قد خفف من وطأة التقاعس الذي حصل في 7 آذار.
فما بين 17 أكتوبر و7 آذار مسافات متباعدة، من حيث المضمون، إذ حاول اللبنانيون في التاريخ الأول قلب الطاولة على رؤوس الجميع، وقد سبقوا بذلك ما كان هدّد به الوزير السابق جبران باسيل، فيما قلبت الحكومة في التاريخ الثاني الطاولة على رؤوس اللبنانيين، حين قررت التمردّ على المجتمع الدولي عن طريق تعليق دفع مستحقاتها المالية للدائنين، وأتخذت قرارًا قد يكون له مفاعيل مستلحقة سلبية من قبل من كان ربما على إستعداد لمدّ يد المساعدة للبنان الغارق حتى أذنيه في أزماته المالية، خصوصًا بعدما تبّين أن النظام المالي الذي كان معمولًا به مبني على سراب وأوهام، سرعان ما إنهار عند أول هزّة وعند أول إمتحان.
ومن يقرأ بين سطور بيان إعلان حالة الإفلاس، الذي تلاه رئيس الحكومة حسّان دياب، يلاحظ أن ما تضمّنه من أفكار عامة لا يوحي بكثير من الثقة، إذ لم يضمّن بيانه أي خطة واضحة لمواجهة التحديات، وأكتفى بسرد تاريخي للمسار الإنحداري، وهذا ما يعرفه كل لبناني، وربما يعرفون أكثر، من دون أن يضع على سكّة الأزمة ما يبرّر إقدامه على إتخاذ قرار كقرار عدم دفع لبنان مستحقاته المالية، التي سيكون له على الأرجح تداعيات قد تكون كارثية، بالأخصّ أنه لم يرفق هذا القرار بهذا القدر من الأهمية بأي خطة إنقاذية ممنهجة، أقله لإبقاء الوضع على ما عليه والحيلولة دون تفلته إلى ما هو أسوأ وأخطر من الحالة التي يعيشها لبنان، وقد تكون الأقسى في تاريخه الحديث.
لا يكفي أن يسرد أي مسؤول، وبالأخصّ من هو في مركز القرار، تسلسل الأحداث وخطورتها، إذ أنه من السهل جدًا تحميل المسؤولية لمن سبقه، ويكتفي بالقول إنه ورث تركة ثقيلة وصفها في أكثر من مناسبة بـ”كرة نار”، وهو الذي كان يعرف قبل قبوله بتحمّل هذه المسؤولية ما ينتظره من مخاطر ومن إستحقاقات، وما هو مطلوب منه لمواجهة التحديات، بعدما قرّر الإستغناء عن شعار الإنقاذ، الذي كان سيطلق على حكومته، لأن الإنقاذ في هذه المرحلة العصيبة لا تقتصر على إبداء النوايا الحسنة، التي لا يمكن الإعتماد عليها في مثل الظروف التي يعيشها لبنان، وهي آيلة إلى مضاعفات أكثر صعوبة وخطورة.
وما خفّف من وطأة هذه الخطوة إنشغال العالم، ومن بينهم لبنان، بالوباءالخطير، الذي وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه أخطر وباء تتعرض له البشرية، إذ تنصّب كل الجهود حاليًا للحدّ من إنتشار الـ “كورونا” ومحاولة الإقلال من مخاطره وأضراره، على أن يبقى أي حديث آخر من دون أهمية تذكر.
المصدر : Lebanon 24