أعلنت الحكومة اللبنانية عن إجراءاتها الاستثنائية وخطتها لمنع تفشي فيروس “كورونا”. فكان أن علّقت العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة والمحلات التجارية على اختلافها، إلا ما تقتضيه الضرورة القصوى، من دون أن تلتفت إلى أوضاع العمال. ومن دون ان تتخذ أي إجراءات لحمايتهم ومنع تحميلهم تبعات الأزمة، مالياً وصحياً. وأكد الوضع الإستثنائي وإهمال الحكومة حقوق العمال، سوء قانون العمل وعدم حمايته للعمال، بل تحميلهم كلفة الخسائر. إذ يسمح القانون للمؤسسات بالحسم من أجور عمالها مدة التعطيل، وهو ما يترك آلاف العائلات في وضع معيشي صعب، ويتسبب بأزمة ستتظهّر أكثر في الأيام المقبلة.
وفي ظل الهلع المنتشر وخشية المواطنين من مغادرة منازلهم، يشكو عمال في مؤسسات مختلفة من إجبارهم على الذهاب إلى العمل، على الرغم من إمكانية إنجاز أعمالهم من المنزل، تحت طائلة الحسم من الراتب. كما خالفت مؤسسات أخرى قرار تعليق العمل الذي لم يستثنها، واكتفت بخفض عدد عمالها. حتى أن رئاسة الجامعة اللبنانية قد خرقت، هي أيضاً، قرار الحكومة بالإقفال باستثناء ما تقتضيه ضرورات العمل، فاستدعت موظفين للمداومة في الجامعة من دون وجود ضرورة ولا عمل لينجزوه. كما وجد عمال آخرون أنفسهم مجبرين على المداومة في وظائفهم التي استثناها القرار، خشية فقدانها في حال رفضوا ذلك خوفاً من التقاط العدوى.
تؤكد المحامية سميحة شعبان لـ”نداء الوطن” عجز قانون العمل عن حماية العمال، فالمبدأ القانوني واضح “لا أجر من دون عمل، هو الذي يسمح لصاحب العمل بالحسم من الراتب أو من أيام الإجازة بدل فترة التعطيل التي فرضها الوضع الإستثنائي”. ووفق المحامية، حتى في حالة القوة القاهرة ليس في القوانين والاستثناءات ما هو لمصلحة العامل في حال لم يستطع الذهاب إلى عمله، ولم يحمه القانون إلا من الصرف التعسفي. “فالقانون لم يحمّل صاحب العمل عبء هذه الحالة، ومن منطلق العدالة ليس على صاحب العمل تحملها إنما على الدولة”.
لكن الدولة لم تكترث لوضع العاملين، فيما يفترض بها اتخاذ إجراءات تجنّبهم تحمّل كلفة انتشار الوباء. وتشير شعبان الى أنه بإمكان الحكومة إصدار مراسيم استثنائية لحماية العمال، كذلك وبما أننا في وضع استثنائي على مجلس النواب أن يتحمل مسؤولياته ويجتمع بشكل طارئ لإقرار قانون يحمي العمال. وتذكّر المحامية بدور مؤسسات الدولة ووزارة الشؤون الإجتماعية في تأمين الاحتياجات الأساسية للعمال الأكثر تضرراً من توقيفهم عن العمل.
أما بالنسبة إلى العمال الذين يستمرون بأعمالهم لتسيير المرافق العامة وتأمين احتياجات المواطنين، فقد ألزم القانون صاحب العمل بتأمين سلامتهم. لكن الوباء اليوم يطرح إشكالية لجهة صعوبة حماية هؤلاء، وتشير شعبان إلى أنه في حال ثبت إصابة العامل بالفيروس ضمن عمله، فيحق له بالحصول على تعويض وبأن تتكفل مؤسسته بتكاليف علاجه. “وفي حال نقل العدوى إلى أفراد عائلته فعلى المؤسسة دفع تعويض أكبر. لكن حصول العامل على التعويض دونه عوائق إذ عليه أن يثبت أنه أصيب بحكم عمله”. وفي حال رفض صاحب العمل دفع التعويض، يمكن للعامل مقاضاته. وبحكم الخبرة تلفت المحامية إلى أن الحكم قد يصدر بعد سنوات، على الرغم من أن القانون حدد المهلة بثلاثة أشهر. وتدعو شعبان وزارة العمل إلى تحمل مسؤولياتها وإرسال مفتشيها إلى أماكن العمل للتأكد من الإلتزام بإجراءات السلامة العامة وفرض غرامات على من يتهاون بحماية العمال.
من جهته يقترح أسعد سمور، من “المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين” إنشاء صناديق لدعم العمال الذين توقفوا عن العمل ويعتمدون على الأجر اليومي، كالمياومين الذين يشكلون فئة كبيرة في القطاع العام، وأصحاب المهن والحرف الصغيرة والفانات. ويرى سمور أنه لا يفترض بأن تدفع هذه الفئات كلفة الأزمة وانتشار الوباء، “فهم تحملوا سابقاً كلفة تراجع الأرباح، هم دوماً شركاء في الخسارة فقط وليسوا شركاء عند تحقيق الأرباح”.
المصدر : نداء الوطن .