في توقيت مالي وإقتصادي حرج حلّ وباء كورونا في لبنان، واتسعت رقعة انتشاره بسبب إبقاء حركة الطيران مفتوحة مع الدول الموبوءة، وفي مقدّمها إيران وإيطاليا. وفي ظلّ التوقعات بتزايد أرقام المصابين في الأيام والأسابيع المقبلة، ترتفع كلفة الفاتورة المالية والإقتصادية لهذا الوباء، لتضاعف من أزمات البلد الذي يواجه انهيارًا اقتصاديًا وأزمةً نقديةً غير مسبوقة في تاريخه .الآثار السلبية تضرب قطاعات مختلفة لا سيّما قطاعي السياحة والسفر، نتيجة تأجيل أو تجميد الرحلات الجوية وحركة النقل البري والبحري والترانزيت، وإلغاء حجوزات الفنادق، وإقفال المطاعم والمقاهي ودور السينما ومراكز التسوق، وتراجع حجم التعامل مع الخارج.
يتوقع الخبراء أن يرتفع العجز في الناتج المحلي الإجمالي، خصوصًا أنّ الإقتصاد اللبناني يعاني انكماشًا وتردّيًا قبل تفشي وباء كورونا، وفق ما لفت إليه الباحث في الشؤون الإقتصادية الدكتور بيار الخوري في حديث لـ “لبنان 24″، مشيرًا إلى نموذج المدن العالمية الكبرى التي انعدم فيها النشاط الإقتصادي جرّاء تفشى الوباء، كمدينة ووهان الصينية التي تقع وسط كبريات الإمبراطوريات الإقتصادية في العالم، بحيث اقتصرت الحركة فيها على توزيع الأغذية والأدوية والعناية الطبية، فكيف الحال بالنسبة إلى بلد كلبنان يعاني أزمتين مالية واقتصادية قبل ظهور كورونا. والتداعيات هنا لا تقتصر على المعطى الصحي جرّاء التفشّي السريع للوباء، بل تتعداه إلى الإقتصادي، لأنّ أضراره الإقتصادية أكبر بكثير.
بلغة الأرقام من المبكر الحديث عن حجم الخسائر الإقتصادية، وسيحتاج الأمر إلى حوالي أسبوعين لمعرفة ذلك، يوضح الخوري، مصنّفًا القطاعات الإقتصادية بحسب سلّم القيم المضافة التي ينتجها كلّ قطاع “بحيث تشكّل التجارة 13% وتتأثر بشكل رئيسي في مرحلة تفشي الوباء. فيما يشكّل القطاع العقاري والبناء 20%، وسيكون أقل عرضة للتأثر في ظلّ الإقبال على شراء عقارات عبر شيكات مصرفية للهروب من القيود المصرفية. قطاعا التعليم والصحة يشكّلان 13%، ويقسمان إلى جزأين، بحيث سيرتفع حجم الإنفاق على القطاع الصحي من قبل الدولة والأسر، بينما سينكمش قطاع التعليم في ظلّ إقفال المدارس وما يقابله من محاولات تُسجّل في التعليم الإلكتروني، وهذا الواقع سيؤدي إلى انكماش في الإنتاج الفعلي للقيم المضافة الناجمة عن التعليم بنسبة تتراوح بين 70 و 80%. أمّا القيمة المضافة التي ينتجها الإقتصاد من الإدارة العامة والتي تشكّل 9% فستنخفض إلى 3%. النقل الذي يشكّل إضافة إلى خدمات المأكولات 8.5% سيتأثر بشكل كبير، نتيجة حالة الهلع ونتيجة إقفال المرافق. الضرائب التي تشكّل 8% ستتراجع بسبب تقلّص جباية الضرائب. الخدمات المالية ستشهد القيمة المضافة فيها تراجعًا إضافيًا، بسبب غياب العمل المصرفي السليم. بالمقابل نسب الزراعة التي تشكّل 2 الى 3% يُرجّح أن ترتفع، بحيث من المتوقع أن نشهد انسحابًا إلى الأرياف في حال اتسعت رقعة الوباء. كما سيشهد قطاع الخدمات الإلكترونية التي تقدّم خدمات عن بعد ازدهارًا، كالتعليم الإلكتروني، ولا يمكن معرفة مدى تعويض هذا القطاع للتراجعات في القطاعات الرئيسية في الإقتصاد”.
في حال عمدت الحكومة إلى إعلان حال الطوارىء الصحية، وشُلّت القطاعات كافة، يرى الخوري أنّ ذلك سينعكس شللًا بنسبة 70% من القيم المضافة التي تنتجها الأنشطة والقطاعات الإقتصادية، إلّا أنّ نسبة 30% من الأنشطة تبقى قائمة، لإرتباطها بالحياة اليومية كالأفران والصيدليات، وفي حال استمر وضع محتمل مماثل لمدّة شهر تقريبًا ستصل خسائره إلى ما يقارب مليونين ونصف مليون دولار. بالمقابل سيرتفع اقتصاد الخدمات المنزلية إذا انتقلنا من إنتاج هذه القيم إلى أخرى في مؤشرات إنتاجية غير مسجّلة في سلّم الأنشطة الإقتصادية، أي تلك التي تُنتج داخل الوحدات المنزلية كالمأكولات والحلويات، وأيّ عمل آخر سينتج عنه إضافة قيم لا تظهر بشكل مباشر في الإقتصاد.
قطاعات أكثر من غيرها ستتأثر في زمن الكورونا، ولكنّ الاقتصاد هو علم سلوكي أضاف خوري، “والوحدات الإقتصادية تتغير وفق نسبة تبدّل سلوكيات الناس في مرحلة انتشار الفيروس، وتتفاعل مع الوضع الجديد”. فهل دولتنا جاهزة لحمايتنا بالحدّ الأدنى صحيًا ماليًا واقتصاديًا ؟ ماذا عن مئات الآف اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم بلا عمل بسبب إقفال مؤسسات قبل وأثناء زمن الكورونا ؟ كيف سيصمدون في القادم من الأيام والأسابيع؟ وهل قرارات مواجهة كورونا، التي تتلقى حكومة لبنان بفضلها التبريكات والتهاني الدولية، هي على مستوى تحدّي الوباء ومفاعيله؟ وهل أصبح هناك من داع للهلع، ليس من الوباء المستجد فحسب، بل من انصرافهم عن حمايتنا إلى كم أفواهنا عن تقصيرهم؟
المصدر : Lebanon24