كتب المحرر السياسي:
لا يزال اللبنانيون بانتظار “ترجمة” المبادرة الفرنسية التي توّجها الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، والاتصال الذي جرى بينه وبين وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وهو ما يتوقّع أن “ينجز” خلال قمّة دول مجلس التعاون الخليجي المقرّرة الأسبوع المقبل.
وفي الانتظار، انصرف اللبنانيون إلى “مراقبة” تحرّكات الأمير محمد بن سلمان، الذي انطلق بعد لقائه ماكرون مباشرةً في جولة على دول مجلس التعاون تتوخّى “تنسيق المواقف” عشيّة القمّة الخليجية المرتقبة، في وقتٍ تشهد المنطقة تحرّكات دبلوماسيّة أكثر من لافتة في الآونة الأخيرة، على وقع الاستحقاقات الإقليمية والدولية الكبرى، وعلى رأسها المفاوضات حول الاتفاق النووي التي استؤنفت بين إيران والقوى الغربية في فيينا بالأمس.
ومع أنّ عناوين جولة وليّ العهد السعودي الخليجية تتنوّع وتبدو متفرّعة إلى حدّ بعيد، إلا أنّ الملف اللبناني حضر بقوة على خطّها، حيث كان لافتًا أنّ البيانات التي أعقبت اجتماعاته مع جميع القادة الذين التقاهم خصّصت حيّزًا لا بأس به للقضية اللبنانية، وقد “تقاطع” عند التأكيد على وجوب إجراء “إصلاحات شاملة” في لبنان تضمن تجاوزه لأزماته، وعلى “ألّا يكون لبنان منطلقًا لأيّ أعمال تزعزع أمن المنطقة”.
تباين “شكليّ” ليس إلا
صحيح أنّ بعض المراقبين رصدوا “تباينًا” في الشكل بين البيانات، حيث اكتفى البيان السعودي القطري مثلاً بـ”العموميّات”، في حين اختار البيان السعودي الإماراتي تسمية الأشياء بأسمائها، فنصّ إضافة إلى ما تقدّم على ضرورة “حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الشرعية”، كما سمّى “حزب الله” بالاسم في سياق حديثه عن ضرورة ألا يكون لبنان “حاضنة للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، ومصدرًا لآفة المخدرات”.
وإذا كان هناك من “يعزو” هذا الاختلاف “الشكليّ”، على الأرجح، إلى “خصوصيّة” تريد الدوحة الحفاظ عليها، وهي التي سبق أن أبدت استعدادها لقيادة “وساطة” في لبنان تتوخّى من خلالها تقريب وجهات النظر بين الجانبين، فإنّ الأكيد أنّها لا ترقى لمستوى “التباين”، خصوصًا أنّ الدوحة سبق أن “تناغمت” مع الرياض في الموقف، وما بيانها بعيد تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرداحي سوى الدليل “الأسطع” على ذلك.
من هنا، يؤكد المعنيّون أنّ الموقف الخليجي إزاء لبنان واحد موحّد، وقد تجلّى بوضوح في جولة ولي العهد السعودي، ويتوقّع أن يتكرّس من جديد في قمّة دول مجلس التعاون الخليجي، التي يأمل البعض أن تحمل معها “مبادرة” إزاء لبنان، خصوصًا أنّ البيانات الصادرة في اليومين الماضيين لم تأتِ على ذكر الإجراءات الخليجية التصعيدية الأخيرة، ما دفع كثيرين الاعتقاد إلى أن الإعلان عن “رفعها”، ولو جزئيًا، متروك للقمّة المرتقبة.
الإصلاحات أولاً!
لعلّ الرسالة الأساسيّة التي ينبغي على اللبنانيين “قراءتها” في الموقف الخليجيّ “الثابت” إزاء لبنان، تتمثّل في الجملة التي “استُنسِخت” في كلّ البيانات التي صدرت وستصدر، والتي قد لا يكون مُبالَغًا به إنّ المجتمع الدولي يتبنّاها بحرفيّتها أيضًا، ومفادها ضرورة “إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته”.
وإذا كان هذا المطلب، أو ربما الشرط الدولي لمساعدة لبنان، “واضح” بالنسبة إلى الحكومة اللبنانية التي تعهّدت أساسًا بإطلاق “ورشة” من الإصلاحات، فإنّ الأزمات التي عصفت بها، من الداخل قبل الخارج، “فرملت” اندفاعتها بعض الشيء، وفق ما يقول البعض، علمًا أنّ رئيس الحكومة يواظب، سواء في زياراته الخارجية وآخرها إلى مصر أمس، أو نشاطه الداخلي، على تأكيد المضيّ في المسار الإصلاحيّ حتى النهاية، مهما كانت العقبات.
لكنّ “العقدة” الأساس تبقى “عصيّة” على الإصلاح حتى إشعار آخر، وتتمثّل بتعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، بعدما ارتضى البعض “رهنها” بمسار قضائي، يصرّ رئيس الحكومة على أنّ “لا شأن له” به، احترامًا لمبدأ “فصل السلطات” المنصوص عليه في الدستور اللبناني، ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت القوى المعطّلة لعمل الحكومة ستبدي “ليونة” في القادم من الأيام، حتى تعود الحكومة إلى “إنتاجيّتها” قبل نهاية العام.
تبدو “الرسالة” واضحة من البيانات الخليجية، وقبلها وبعدها، مواقف المجتمع الدولي “المتقاطعة” عند المقولة الشهيرة التي وجّهها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان يومًا للبنانيين “ساعدونا لنساعدكم”. من هنا، قد يكون على اللبنانيين “تلقّف” هذه الرسالة، ليساعدوا أنفسهم أولاً، فـ”يحرّروا” حكومتهم من القيود، لتشرع بإنجاز المطلوب منها، خصوصًا أنّ كلّ يوم تأخير “يعقّد” الأمور عليها أكثر!.
المصدر:lebanon24