كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
منذ أربعينيات القرن الماضي دخلت “حشيشة الكيف” أو ما يعرف بالقنب الهندي على خط الزراعات في بعلبك الهرمل، وانتشرت في سهول قرى وبلدات البقاعين الأوسط والشمالي جنباً الى جنب مع سنابل القمح تيمناً بالرومان الذين نقشوها على جدران معبد باخوس داخل قلعة بعلبك.
ترتفع الأصوات المطالبة بتشريع زراعة الحشيشة منذ سنوات، وينادي بها بعض النواب أسوةً بالدول الأوروبية للإستعمالات الطبية، وتكون ضمن الوعود التي يطلقها وزراء الزراعة عند تسلمهم لمهامهم من دون أن يتحقق شيء حتى الآن. ومع الأزمة التي نعيشها قرابة السنتين وطالت مختلف القطاعات بما فيها الزراعة، بات المردود الذي تحققه الحشيشة وعدم ارتفاع كلفة انتاجها وحاجاتها للأسمدة وعدم تأثرها بالتقلبات المناخية، الدافع الأبرز للمطالبة بتشريعها والإقبال على زراعتها من دون أي رادع.
للعام الرابع على التوالي يمرّ الموسم في البقاع بسلام من دون مواجهات بين المزارعين والقوى الأمنية خلال عمليات التلف لإعتباراتٍ عديدة ترتبط في أساسها بوضع المنطقة الأمني، الذي لم يعد يحتمل أي خضات أو إشكالات مسلحة قد تؤدي إلى سقوط ضحايا، وغياب دعم الدولة للزراعات البديلة وتأمين الدعم المالي لإنشاء مشاريع تنموية تدفع بالمزارعين إلى التخلي عن زارعتها والتعويل على زراعة أخرى.
إتسعت رقعة الأراضي المزروعة بـ”الحشيشة” هذا العام على امتداد سهل البقاع من بوادي، اليمونة، دار الواسعة، دير الأحمر، بشوات، كفردان، الكنيسة، إيعات، مروراً ببعض البلدات حتى الحدود اللبنانية السورية لجهة الهرمل، وبعد أن كانت تسجل خلال الأعوام السابقة بين 60 و 70 ألف دونم من مساحة المنطقة، وصلت هذا العام الى ما يقارب المئة ألف دونم، حيث بذر المزارعون “القنبز” أوائل اذار وبدأوا بريّها رغم ارتفاع أسعار المحروقات طوال فترة الصيف، من دون الحاجة لأي أدوية زراعية أو سماد، فهي لا تتأثر بالآفات الزراعية والصقيع على عكس الزراعات الأخرى، لينتهي الموسم بسلام أواخر أيلول ويبدأ المزارعون موسم الحصاد وتجفيف الحشيشة وتنظيفها، وخلال فصل الشتاء تكبس في معامل خاصة ابتكرها المزارعون وتتحول الى مادة تشبه الطين مقسمة إلى قطع “هقة” لتكون جاهزة للبيع.
وفرة الموسم والربح الذي تحققه هذه الزراعة تدفع بالأهالي في بعلبك الهرمل الى زيادة نسبة الأراضي المزروعة وسط تدهور الأوضاع الإقتصادية أكثر وأكثر، ومعاناة المزارعين في تصريف انتاجهم من الأشجار المثمرة والخضار وارتفاع تكاليف انتاجه وانخفاض الأسعار، وفي هذا الاطار يشير أحد المزارعين لـ”نداء الوطن” ان “غياب الدولة عن معاناة المنطقة وتركها لمصيرها وتراجع انتاجية المزارعين، وعدم قيامها بدفع التعويضات عن خسائرهم تدفعهم الى زراعة الحشيشة، ولكنهم ليسوا هواة مواجهات مع القوى الأمنية أو هم خارجون عن القانون، لكننا لم نجد الدولة تقف الى جانبنا وتؤمن الزراعات البديلة، ورغم ان تشريع زراعتها قد يخفض من أرباحنا لكننا معه، ولتكن كزراعة التبغ تستلم الدولة الإنتاج وتصرّفه”.
بدوره يشير مصدر أمني لـ”نداء الوطن” أن الأوضاع الامنية اليوم تفرض نفسها والمسؤوليات الملقاة على عاتق الجيش والقوى الأمنية كبيرة، والدولة لا تريد الدخول في مواجهات مع المزارعين والتي كادت ان تتسبب بمجازر سابقاً، وتلف الحشيشة اليوم يحتاج أعداداً كبيرة من العناصر الأمنية والوضع لا يحتمل خضات اضافية، كذلك فإن الوضع الإقتصادي الصعب دفع بالدولة الى غض النظر، مشدداً على مطالبة القوى السياسية والأحزاب بالعمل على حلّ قانوني وجدي لتشريع زراعة الحشيشة، كي لا تبقى سبباً أساسياً في خلق تباعد واشكالات بين القوى الأمنية وأهلها في بعلبك الهرمل.
وكان وزير الزراعة عباس الحاج حسن قبل أسبوع وخلال زيارته مصلحة الزراعة في بعلبك الهرمل أشار إلى انه تواصل مع الرئيس ميقاتي بموضوع تشريع زراعة القنب الهندي ووعد خيراً، وتواصل مع الوزارات المعنية ومشروع القانون موجود ويحتاج الى مراسيم تنفيذية في مجلس الوزراء، وهذا الأمر ستكون له ايجابيات داخلية وخارجية.