كتب داني حداد في موقع mtv:
شهقنا مراراً أمس أثناء متابعتنا الاحتفال الافتتاحي لـ “اكسبو دبي ٢٠٢٠”. وجميعنا سلك درب المقارنة بين صورة دبي الأضواء وصورة بيروت العتمة. وجميعنا تحسّر على بلدٍ شوارعه فارغة في هذه الأيّام، ومظلمة، والطبقة السياسيّة فيه ظالمة.
ساحرةٌ هي دبي، وتجربتها فريدة. هي صناعة أحلامٍ وإرادات. كلامٌ قليل وفعلٌ كثير. وفيها لائحة طويلة من فئة “الأكبر”: أكبر “مول”، وأكبر “أكواريوم”، وأكبر حديقة، وأطول برج… هي مدينة العمل والسهر والتسوّق. مدينةٌ بلا سجالاتٍ ومناكفات. حاكمها لا يمنّن، وإن وعد وفى، وإن قرّر نفّذ.
وإن جلتَ في دبي سائحاً لانتقلت بين مدينة الفراشات، ومدينة الزهور، وعروض الشلالات وعروض الدلافين. أما في لبنان، فنتلهّى بعروض السعادين من السياسيّين، وما أكثرهم، يقفزون بين المواقف وبعضنا يصفّق، وهم يضحكون، كالسعادين أيضاً.
منذ منتصف السبعينات، وخصوصاً منذ التسعينات، ونحن في تراجعٍ وانهيار، في القيم والأخلاق وسلوك السياسيّين وأسلوب الحكم، قبل أن ننهار في المال والاقتصاد. كنّا مثل باريس في عيون العرب، وباتت مدننا مثل كابول، أو طهران، أو هانوي التي خُيّرنا يوماً بين أن نكون مثلها أو مثل هونغ كونغ، فاخترنا الأولى وانتهينا الى ما هو أسوأ منها. وبات أهل دبي يستخدمون الانترنت في تعاطيهم مع الدولة وإداراتها، بينما لا أوراق عندنا لإصدار إخراج قيد.
وفي دبي أبراجٌ ترتفع، وعندنا خندقٌ غميق. وعندهم مطارٌ ضخم يعجّ بالزوّار، وعندنا مطارٌ يشبه “حارة كلّ من إيدو إلو”، ودعونا لا نتحدّث عن طريق المطار ولافتاته وشعاراته والصور المرفوعة يميناً ويساراً.
وفي دبي قانونٌ يحكم، بقسوة غالباً، وفي لبنان “مرّقلي تمرّقلك” وحمايات طائفيّة، وفساد متراكم ومتمدّد من فوق الى تحت. دولة مهترئة، ومؤسّساتها تتآكل، وناسها في يأس، وبعضهم في قوّة على المواطن الآخر، و”إنت عارف حالك مع مين عم تحكي” يقول الشاب في الشارع ويقولها الزعيم، على طريقته. ويقول آخر إنّ الطائفة في خطر، فيجيّش الجمهور الغبيّ، ويقول ثالثٌ إنّ الطائفة مستهدفة، ثمّ يزور شيخه أو بطريركه ليكتمل الـ Show.
كان “إكسبو دبي” يليق ببيروت، وقد ساهم لبنانيّون في التنظيم وصناعة الدهشة. لبنانيّون يملكون الكفاءة ولمسة الإبداع تركوا هذا البلد، بينما يستمرّ السياسيّون فيه يتساجلون حول حكومة وتعيينات وانتخابات، وهذا ابن طائفتي، وهذه من حقّ طائفتي…
هناك معرض تلتقي فيه ١٩٢ دولة تتبادل الخبرات والمبادرات والبضائع. وعندنا سياسيّون يتبادلون التخوين والاتهامات.
هناك معرض تأجّل من عامٍ الى آخر، وهنا ننتظر، في العام المقبل، عرضاً انتخابيّاً لا دلافين فيه، كما في دبي. يا خوفنا من كثرة السعادين…