في الوقت الذي مثّل فيه اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني انتصاراً للرئيس الأميركى دونالد ترامب، وترقباً في المنطقة التي دخلت حالة تأهب، فإن المشهد وفق القراءة الغربية، قد يؤسس في المستقبل القريب والبعيد إلى توزيع أدوار في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق ولبنان؛ وسيكون لروسيا الحصة الاسد، نظرا إلى علاقاتها الجيدة مع العواصم العربية بيروت ودمشق وبغداد، أسوة بدول الخليج، وباسرائيل، علماً أن مصادر روسية ترى أن اميركا قد تنسحب من سوريا والعراق لكن ذلك لا يعني الخروج من المنطقة؛ المخطط الاساسي لواشنطن بالتعاون مع الخليج واسرائيل يتطور. فمنطقة الخليج مليئة بالقواعد العسكرية الأميركية، أما لبنان فيشهد بناء اكبر صرح دبلوماسي أميركي في الشرق الاوسط .
لا شك في أن تدّخل موسكو في سوريا منذ عام 2015، قلب موازين القوى على الصعيدين السياسي والميداني في هذا البلد، فضلا عن أن هذا التدخل سوف تكون له نتائج على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي لروسيا، لا سيما في ما يتصل بتوسيع نطاق تواجدها شرق البحر المتوسط، والتحكم بإمدادات الغاز الأوروبية كنقطة عبور لنفط وغاز المنطقة المتجهين نحو أوروبا.
وعلى هذا الأساس بدأت الشركات الروسية بالاستثمار في قطاع الطاقة في سوريا والاهتمام بساحلها، حيث تم توقيع عقود في مجال النفط والغاز أبرزها عقد عمريت، الذي يتيح لشركة “سبوز” التنقيب عن النفط والغاز لمدة 25 عاما جنوب مدينة طرطوس، بالتوازي مع وجود روسي في طرابلس التي تبعد 60 كيلومتراً عن مرفأ طرطوس، بعد الاتفاق الذي وقعته شركة “روسنفت” لتطوير منشآت تخزين النفط في المدينة لمدة 20 عاماً مع وزارة الطاقة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل من الشمال منفذاً لها على البحر المتوسط لتصريف إنتاجها النفطي في المنطقة، لا سيما من الحقول التي تعمل على تطويرها في العراق، علما أنه يندرج في خطط الجانب الروسي مد خط سكة حديد جديد عبر سوريا والعراق من أجل إنشاء ممر للنقل، يربط البحر الأبيض المتوسط بالخليج والذي سيزيد من عمليات الشحن عبر الميناء السوري.
تواصل موسكو التأكيد أنها تعمل وفق معادلة الفصل بين السياسة والاقتصاد، رغم أنها قد تلجأ إلى تطوير مشاريعها الاستراتيجية وفق تقييم لمستقبل لبنان الدولة النفطية. وليس بعيداً فإن دخول شركة “نوفاتك” الروسية مع “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية في التحالف الفائز برخصة التنقيب عن الغاز والنفط في البحر اللبناني، يطرح عند البعض الكثير من التساؤلات حول الاهتمام الروسي، علما أن الموقف الروسي الرسمي واضح ومفاده أن “نوفاتك” تعمل وفق منطق الربح والخسارة، واعتباراتها تتصل بالفائدة الاقتصادية من هذا المشروع الاستراتيجي؛ صحيح أن لمشاركتها أهمية روسية لكن ذلك لا يعني أن الكرملين قد حثها على المشاركة، من منطلق أن موسكو ليست من دول المانحة التقليدية للبنان وليس مطلوب منها تقديم هذا الدعم، فطلب الرئيس سعد الحريري من روسيا مساعدة لبنان بتأمين اعتمادات للاستيراد لايزال محل درس ومتابعة في الحكومة الجديدة.
تتمسك روسيا بوحدة لبنان وشعبه، فمن أولوياتها الحفاظ على وحدة الدول وسيادتها.
ولذلك فإن الوضع في لبنان كدولة وليس كمناطق نفوذ، يتطلب، بحسب القراءة الروسية، مقاربة شاملة لما يحدث على المستويات المالية الاقتصادية والسياسية؛ علما أن دور موسكو في لبنان راهنا لا يشبه دور باريس أو الخليج الذين يدرسون تقديم الودائع والاستثمارات، في حين ان الدور الروسي لا يزال متواضعا، لكنه قد يتطور ربطاً بعرض المشاريع في مجالات الكهرباء والطاقة والمجالات التي تناسب موسكو.
ومع ذلك، ترى المصادر الروسية أن وضع لبنان الاقتصادي والمالي يثير القلق. فعلى صعيد الموقف الخارجي من الازمة اللبنانية ليس هناك أي تصور واضح أو إجماع أو توجه خارجي على المساعدة، مما يعني، بحسب المصادر، أن على المعنيين بذل الجهود الداخلية بالدرجة الأولى للتغلب على الصعوبات بدل انتظار المساعدات الخارجية، والى عدم المبالغة بالرهان على النفط والغاز على قاعدة أن هذا القطاع هو المستقبل المضمون للبنان.
المصدر : Lebanon 24