حتى الخروف طار، إذ بات هذا العام لمن استطاع اليه سبيلاً، فسجّل رقماً قياسياً ناهز الـ5 ملايين ليرة بعدما كان سابقا بـ450 ألف ليرة. الرقم الخيالي أبعد المواطن عن التفكير بشرائه، حتى الراعي نفسه لن يذبح حتى رأس ماعز بعدما حلقت الأسعار بشكل كبير، وتخلّى الناس بمعظمهم عن شراء اللحم الذي تجاوز سعر الكيلو الواحد منه الـ180 ألف ليرة.
عشية عيد الاضحى، لا يشغل بال اللبناني سوى كيف يقفز فوق ازماته، فهو غارق بها حتى رأسه، من البنزين مروراً بالدواء وصولاً الى العتمة التي تلف حياته بعد انقطاع تام لمادة المازوت، فهل يفكر الناس بالخروف؟
سابقاً كان الخروف سمة تطبع عيد الاضحى، فكل عائلة تذبح “فدو” صبيحة العيد، كنوع من التقليد المتوارث، غير أن الظروف الراهنة بدلت هذه العادات، بل دفعت لنسيانها، فمن يفكر بالعيد؟ يسأل ابو قاسم الرجل الخمسيني الذي اعتاد سنوياً على ذبح “فدو”، غير أن أسعارها حالت دون ذلك، فهي باتت تحتاج ميزانية كبيرة وراحة بال، وكلا الامرين غير متوفر، فوفق الرجل “وقية لحم باتت صعبة المنال فمن يفكّر بشراء خروف؟ الوضع صعب جداً”.
لم يسلم الخروف من فورة الغلاء، لحق بموجة الأزمات التي يعيشها المرء، فالازمة الإقتصادية التي يرزح تحت وطأتها اليوم لم تترك له خيارات للعيش، حتى فرحة العيد سرقت، والخروف أو “الفدو” بات خارج حسابات الناس، بعدما كان أولوية ومن موروثات عيد الأضحى.
مما لا شك فيه أن إرتفاع كلفة الأعلاف والادوية كان السبب الرئيسي وراء ارتفاع اسعار المواشي، فكيلو لحم الغنم اليوم تجاوز الـ250 ألف ليرة، ويشهد مقاطعة شاملة من قبل الناس، فكيف بالخروف الذي دخل بازار المنافسة، وسجّل ارتفاعاً خيالياً، وبعدما كانت كل عائلة تذبح خروفاً، تخلى الجميع عن الأمر بسبب النكسة الاقتصادية الخطيرة. “ما وقفت عالخروف”، يقول الراعي محمد الذي كان يعول على حركة البيع غير أنه بات خارج الحسابات، حتى الناس نسيت العيد.
منذ عامين ويشهد سوق الماشية تراجعاً كبيراً عشية الأعياد، وتقلبات كبيرة في الأسعار، في حين بقيت رواتب الموظفين على حالها، ما يعني أن الخروف يوازي معاش موظفين في الإدارات العامة، فيما الحد الأدنى للأجور لا يتخطى الـ700 ألف ليرة، كلها عوامل دفعت بالتضحية بخروف العيد، وبكل العادات التي ترافق عيد الأضحى من صناعة المعمول الى كعك العيد وغيرها، نتيجة إرتفاع الأسعار الهستيري، وفقدان القدرة على شراء علبة لبنة فكيف بكيلو لحم؟
تراجع إقبال الناس على شراء الخروف بلغ أكثر من 90 بالمئة، وهي نسبة غير مسبوقة، يراها الراعي أبو علي بأنها من تداعيات الازمة المعيشية، مُعيداً السبب الى عدم قدرة الناس على الشراء بعد انهيار العملة المحلية، معتبراً أن “الامر طبيعي مقارنة بالظروف المحيطة بنا”.
ولا يخفي أبو علي أن هذا التراجع انعكس على حركة بيع وشراء اللحوم ايضاً، إذ يشهد سوقها مقاطعة كبيرة، فسعرها بات خارج قدرة الفقراء، وخارج قدرة أحد، “فما نعيشه أسوأ أيام حياتنا”.
ولا يتردد بالإشارة الى أنه لن يذبح خروفاً ولا حتى جدياً، “الوضع لا يحتمل، فالخروف يوازي 7 كيلو من اللحم وهو يحتاج كيلو ونصف فقط، أما الباقي فسيذهب الى البراد ولا يوجد كهرباء نتيجة التقنين القاسي للتيار الكهربائي والاشتراك”، وعلى حد قوله “سأتركها للتجارة وانتاج اللبن والحليب، فاسعارهما ليست بقليلة”.
في احد الحقول المحاذية للوادي الأخضر، يسرح الراعي أبو علي بقطيعه، يجوب الحقول والبراري، لم يكن مستغرباً بالنسبة له أن تتراجع حركة مبيع الخروف الى مستوى متدنٍّ جداً، بالكاد تجد من يشتري خروفاً، وهو امر لم يكن يحصل سابقاً، إذ كان يعتمد على موسم العيد ليحقق ارباحاً طائلة، فهو يعيش من الموسم، غير أن الظروف الاقتصادية دفعت بالناس للتنحي عن الشراء، فالخروف يتراوح سعره اليوم بحسب الراعي بين الـ4 ملايين والـ6 ملايين ليرة لبنانية، والجدي الصغير وصل سعره الى المليون ونصف المليون تقريباً، وهي أسعار أكبر من تحمّل المواطن الذي بالكاد يتقاضى 100 دولار هذه الأيام
بالارقام يقول أبو علي أنه كان يبيع سابقاً بين الـ100 والـ200 خروف قبل العيد، اليوم بالكاد باع 7 خواريف وهو ما يعتبره إفلاساً له، فهو بالنهاية تاجر، يعتاش من هذه المهنة على حد وصفه، ويجزم بأن الناس “تخلت عن كل الموروثات القديمة، وبات همها ليتر بنزين”.
بحسب الرجل، “الأزمة التي نعيش دفعتنا لنتخلّى عن الكثير فلن تقف عند الخروف”، وأكثر ما يعزّ عليه “أن المنظومة الفاسدة جعلت من الشعب أضاحي تذبحها على مذبح الازمات، والاضحية ممنوعة على الشعب”.
اذاً، لا خروف عيد ولا من يحزنون، ووداعاً لكل التقاليد التي كانت ترافق الناس في أعيادهم، فالخروف بات لمن استطاع اليه سبيلاً، والسبب الهندسات الاقتصادية الخاطئة التي أودت بحياة الناس، فلن تتوقف الأمور عند الخروف
المصدر : نداء الوطن