كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لا مازوت الا في السوق السوداء، معادلة بدأت ترخي بثقلها على الحياة داخل قرى منطقة النبطية التي خرجت معاناتها الى العلن، معاناة اقتصادية ومعيشية وصحية. كل القطاعات المرتبطة بالمازوت باتت مهدّدة، غير ان القيمين على السوق السوداء لم يتنحّوا او يتراخوا قليلاً، فعند عتبة الربح تسقط كل المعادلات الاخرى، في حين تتعالى صرخات الناس من فقدان هذه المادة الحيوية التي تهدّد المستشفيات وهي تعيش على كف عفريت من نفاد المخزون في اي لحظة، وما يترتب على ذلك من كارثة صحية باتت قاب قوسين أو ادنى، اذ لا يكفي المستشفيات معاناتها مع نقص المستلزمات الطبية والأدوية الخاصة بعلاج المرضى، الا وجاءت أزمة المازوت لتهدّد حياة العشرات منهم، الا اذا هبط المازوت بقدرة قادر ودخل خزانات مولدات المستشفيات بدلا من خزانات تجار السوق السوداء الذين ينشطون على كافة المحطات يستولون على المازوت بالسعر الرسمي ليدخل في بازار السوق السوداء الذي حول حياة الناس جحيماً.
فالمازوت يدخل في قطاع الإشتراك الذي يهدّد أصحابه بالقطع النهائي، تماماً كما حصل مع اشتراك الشاعر في بلدة تول الذي اعلم الاهالي انه سيطفئ مولّداته بسبب نفاد المازوت وفقدانه من السوق، ما يرتّب على المواطن أعباء هو بغنى عنها. وبدأ اهالي تول التلويح بالتحرّك في الشارع، فالوضع برأيهم لم يعد يحتمل، فهناك طلاب يريدون أن يدرسوا، ويستعدّون للامتحانات الرسمية، ومرضى بحاجة للتهوئة وماكينات اوكسيجين، اضافة الى تأثر المياه بالأمر، فكل الشقق السكنية تعتمد على مضخات لضخ المياه من خزانات الأرض الى السطح، وهو ما يضاعف المشكلة والازمة والكلفة المالية التي خرجت عن قدرات الناس. ولا يخفي الاهالي عتبهم على كل من يحمي تجار السوق السوداء الذين بمعظمهم لهم وجهة سياسية ويحظون بغطاء حزبي، والا كيف يمكن تبرير نشاطاتهم داخل السوق السوداء وعلى عينك يا مواطن فيما الأحزاب تقف موقف المتفرّج؟
شكّل فقدان المازوت من السوق المحلية كارثة حقيقية للبلديات وللسكان ولأصحاب الصهاريج على حدّ سواء، فحين يغيب المازوت تغيب المياه وتتعطّل آبار الضخ المائية، ووسط حالة التخبّط التي تعيشها معظم البلديات جرّاء عجزها عن تأمين مادة المازوت الذي يتوفر لديها بالقطارة، فإن أصحاب الصهاريج في بلدة حبوش خرجوا عن صمتهم، قرّروا الوقوف في وجه تجار السوق السوداء، اذ بات من الصعب عليهم شراء التنكة بـ120 الف ليرة لبنانية، ودفع ثمن المياه على البئر 50 الف ليرة، كل ذلك دفعهم للاعتراض على الواقع الصعب أمام بلدية حبوش، مطالبينها بتأمين المازوت لهم لكي يستمروا في عملهم حتى لا تتهدد حياة الناس، وتنقطع عنهم المياه نهائياً.
وبحسب أصحاب الصهاريج فإن المحطات تتمنع عن تعبئة خزاناتهم بالمازوت، فيحتكمون لتجار المازوت الذين يشفطون كل الاحتياط المحلي ويتلاعبون بالسعر، وعلى حدّ قولهم “اذا استمرّ الحال على ما هو عليه فإنهم سيوقفون جرّاراتهم، وحينها المواطن سيفقد آخر مصدر للمياه الى منزله، فمياه الدولة مقطوعة لأنّ المازوت غير متوفر، والآبار الجوفية لا تعمل لأنّ المازوت داخلها مفقود، فلم يبق لهم غير الصهاريج المهدّدة أيضاً بالتوقف، مطالبين الأحزاب بالتدخّل لردع المحتكرين واسقاط الحصانة عنهم ومحاسبتهم، مؤكّدين انهم معروفون لديهم، وعلى حدّ قول أحدهم، “الكل عارف كيف عم يتهرّب المازوت وكيف عم يتم بيعه”. يبدو أن ازمة المازوت ستكون أشدّ وطأة من أزمة البنزين، فالأخير متعلّق بالسيارة فقط، في حين ان المازوت يدخل في لقمة عيش المواطن الذي دخل في قلب العتمة الفعلية، والتقنين لن يكون ساعة وساعتين أو ثلاثة، بل ربما لا كهرباء بعدما أطفأت معظم الاشتراكات مولّداتها، ما يعني أن الامن الغذائي والاقتصادي في خطر كبير، الا اذا أفرج وبسحر ساحر عن المازوت المحلي، وأعطي القرار بحلّ وقتي للأزمة. والى حينه، على المواطن التعايش مع الازمات أكثر.