قاصرات في زمن كورونا

تقدّر المنظمة أن 10 ملايين طفلة إضافية حول العالم أصبحت مهددة بالزواج منذ اندلاع الجائحة، كما تتوقع المنظمة أن يلحق هذا المصير بقرابة 25 مليون فتاة كن يعتبرن “الناجيات” بعد انخفاض أعداد زيجات القاصرات بنسبة 15 في المئة عالمياً.

عاد بعبع زواج القاصرات حينما أغلقت المدارس أبوابها، فتعسّر التعليم على ملايين الفتيات، إما بسبب تناقص مداخيل أسرهن، أو عدم توفّر التكنولوجيا للتعلم من بعد. فصار لتزويجهن منفعة مزدوجة لتتخفف أسرهن من أعبائهن المادية، كما تستفيد من مهورهن.

وكل ذلك دفعني للتساؤل، كيف يمكن لجائحة لم تكمل عامها الثاني بعد أن تنسف جهود ربع قرن على الأقل من مكافحة زواج القاصرات في المنطقة، حسبما تحذّر بعض الدراسات؟ وكيف استطاعت عقبة “كورونا” – والمنحسرة شيئاً فشيئاً مع إعادة فتح المدارس – أن تنتزعهن كلياً من الصفوف، عوضاً عن أن تؤجّل مسيراتهن الأكاديمية في أسوأ الحالات؟
ثمة متهمون رئيسيون معروفون خلف زواج القاصرات، مثل شرعنة المؤسسات الدينية له، بالإضافة إلى غياب القوانين، أو التراخي في تطبيقها.
ولكن ألا يمكن أن تكون الأزمة نابعة في المقام الأول من عدم اعترافنا بطفولة الفتيات؟
الطفولة بمفهومها المعاصر منتج حديث نسبياً نشأ في أواخر القرن الـ18، وفي أعقاب الثورة الصناعية في الغرب، إذ كان يُنظر إلى الطفولة قبلها كوضع اجتماعي فحسب، وليس كمرحلة مصيرية من مراحل علم النفس التنموي.
فقد يكون من السذاجة إذاً، والسابق لأوانه، أن نفترض أن المفهوم قد ترسّخ بالعمق ذاته، وفي مهلة زمنية أقصر، في مجتمعاتنا العربية.
ربما مثّلت طفولة الفتيات حالة طارئة ودخيلة – إن صح التعبير – على ثقافتنا، فلم تستند الى تقديس حقيقي للطفولة، أو قناعة بخصوصيتها. بل من المحتمل أن الاعتراف بطفولة الفتيات في بعض المجتمعات ارتبط بتحسن الأوضاع الاقتصادية تحديداً، لأنها أذنت باستطالة فترة الطفولة “المسموح” لهؤلاء الطفلات بها عوضاً عن تزويجهن فور بلوغهن، فمهد بالتالي لتعليمهن، وثم تقدّمهن عبر المراحل الدراسية.

فلا غرو بأن عقبة موقتة بشكل أو بآخر مثل “كورونا” – وإن كنت لا أستهين مطلقاً بتأثيراتها الكارثية – كانت وحدها كفيلة بانهيار طموحات الشهادة والوظيفة والاستقلال المادي فوق ملايين القاصرات العربيات. إنها حتى لم تضغط زر “الإيقاف الموقت” على تطلعاتهن المستقبلية، بل حطّمت الشريط عن بكرة أبيه.
فيبدو وكأنما ضاق أولياؤهن ذرعاً بطفولتهن التي تحمّلوها على مضض على مدار العقود الماضية، أي حينما كانت قدراتهم المادية تؤهلهم للتعايش مع مفهوم غربي تافه كهذا.
أما الآن وقد تحوّلت طفولة بناتهم من رفاهية مقبولة إلى عبء ضار، فقد تصرفوا بحزم تجاهها.

المصدر: النهار العربي