كتب خضر حسان في “المدن”:
خوف عام يصل إلى حد الرعب، يمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. استنفار في إنحاء العالم. خطط استباقية وأمن وقائي تتسابق إلى تطبيقه الحكومات، استقبالاً أو تحضيراً لاستقبال الفيروس الأشهر على مستوى الكوكب حالياً: كورونا. وهذا الزائر تعدّى بتأثيره حدود عالمه البيولوجي، ليطال الاقتصاد الدولي، حين يهدد جدياً بتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي.ازاء تفاقم الوضع العالمي والإرباك الذي يخلقه انتشار كورونا، حتى على المستوى الاقتصادي، يصر لبنان على التعامل مع أثر الفيروس على الاقتصاد من باب عدم الاكتراث. وبما أن المخاطر جديّة فيما ردّ الفعل على العكس من ذلك تماماً، فلا يبقى مجالاً للشك بأن المنظومة الحاكمة تتعمّد عدم السعي لإيجاد الحلول، لسبب عريض تتفرّع منه الكثير من الاحتمالات، وهو وجود مسافة بعيدة بين أصحاب القرار في السلطة السياسية وبين الشعب. والمسافة تسهّل التعامل بلامسؤولية مع كافة المحطّات، سياسية كانت، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية أو صحية.
لبنان أصيب أولاًقد يذهب البعض لموازاة كورونا بالأزمة الاقتصادية العالمية، لناحية “انهماك” العالم بأسره في محاولة لاحتوائه وايجاد حلّ له. ولأن لبنان فريد من نوعه، بدءاً باسطورة تكوينه وصولاً إلى “تطنيشه” لأصعب المِحَن، مروراً بعنصرية بعض أطيافه وعقد النقص والتفوّق.. فلأجل ذلك، لم تشغل الحكومة بالها بوضع خطة طوارىء تستبق إصابة لبنانيين بالفيروس. التعجّب سرعان ما يزول، إذ كيف توضَع خطة استباقية لطارىء بيولوجي، فيما لم تكترث الحكومات المتعاقبة باستباق فيروسات اقتصادية فتكت بالاقتصاد اللبناني وأوصلته إلى شفير الانهيار؟وإنصافاً لحكومات بلد الأرز، يجب الاعتراف بحالة استباقية فريدة، حين استبقت الحكومات بما تحمله من تمثيل للفئة الحاكمة، المشاريع الاقتصادية في كل القطاعات، فعملت على رسم خطط الاستفادة من المشاريع قبل انعكاس نتائجها على الاقتصاد إيجاباً. وهذه الاستباقة، كرّست في لبنان كورونا اقتصادية من نوعٍ خاص، سبقت كورونا الصينية، وأصابت عدّة قطاعات، أبرزها الكهرباء والخليوي والليرة، والأخيرة هددت الاستقرار الاجتماعي لغالبية اللبنانيين.الأسوأ من الإصابة بفيروس كورونا اللبناني، الذي يتألف حمضه النووي من الفساد والتحاصص، هو الاصرار على تمييع الحقائق واعتبار أن شيئاً لم يحصل. فما زالت القوى السياسية ترفض الاعتراف بالمسؤولية الجماعية، بل هي مستمرة بتغذية أسباب انتشار الأزمة وتعاظمها، من خلال التسويف والوعود. وما يثير السخرية، هو أن الوعود تُطلَق أمام الجهات الدولية، وآخرها تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال لقائه وفد صندوق النقد الدولي يوم الأحد 23 شباط، على “حرص لبنان على الالتزام بالاصلاحات الجذرية المطلوبة وعلى كافة الاصعدة لضمان نجاح العملية الانقاذية وعودة الثقة بلبنان”.بوادر الانزلاق نحو عوارض متأزمة للكورونا الاقتصادية اللبنانية، تظهر مع عدم وضع الحكومة خطة “ب” تصلح كبديل أو كإجراء مرافق على الأقل، لما سيقرره صندوق النقد الدولي. وكأن الحكومة بسياستها، تسلّم بأن الصندوق أصبح قدر اللبنانيين المحتوم. مع أن اقتصاديين لبنانيين ودوليين وضعوا سابقاً تصورات للحل بعيداً عن صندوق النقد.هذا والحكومة العتيدة تريد اقناع اللبنانيين والعالم بأنها حكومة انقاذية مختلفة عن سابقاتها.
الوقاية فاسدةالكورونا الآتية من إيران عبر الطائرة التي أقلّت لبنانيين زاروا أماكنهم المقدسة في بلاد فارس، لم يجرِ احتواؤها أو محاولة احتوائها، بل جرى تمهيد الطريق لانتشارها بعد السماح لركاب الطائرة بمتابعة حياتهم بشكل طبيعي، وحُمِّلوا مسؤولية فردية بالتوجه إلى المستشفيات فيما لو شعروا بعوارض الكورونا… ومع ذلك، طمأن وزير الصحة حمد حسن بأن “لا داعي للهلع”.بعد تنبيه الوزير إلى أن عزل ركاب الطائرة أمرٌ من المفترض أن يكون بديهياً، بغض النظر عن وجود تحضيرات استباقية أم لا، برَّر بعذرٍ أقبح من الذنب. إذ وصَفَ حسن خلال مؤتمر صحافي عقد يوم السبت 22 شباط في مستشفى بيروت الحكومي، تقصير وزارة الصحة بالخطأ التقني، الذي يحصل في بداية أي حدث أو أزمة.. هكذا، وكأنه يتحدث عن عطل كهربائي يحصل نتيجة غياب خبرة العمال، لا عن وباء قد يحمله أكثر من 150 مسافراً سيختلطون بأقربائهم وجيرانهم فور وصولهم إلى قراهم.استهتار وزير الصحة يُذكّرنا باستهتار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي دعا اللبنانيين لعدم الهلع، مطمئناً بأن “الليرة بخير”، بدل ايجاد حلول حقيقية. وها هي العملة تحتاج إلى نحو 2500 ليرة لتساوي دولاراً واحداً، وها هي المصارف تحتجز أموال اللبنانيين. فهل طمأنة وزير الصحة تشبة طمأنة سلامة؟ وهل الإثنان يسترشدان بطمأنة الزعامات السياسية إلى إيجاد حل للأزمة الاقتصادية والنقدية؟
سبل الوقاية من الأزمات في لبنان فاسدة، فخطط معالجة أزمة الكهرباء فاقمت الوضع، وكذلك تطوير قطاع الاتصالات، سواء بشقه الخليوي أو هيئة أوجيرو. أما القطاع المصرفي المرتبط بأزمة النقد، فمستقبله لا يحمل بشائر الخير، لأن الكلمة الفصل فيه لجمعية المصارف.السلطة السياسية هي الخصم والحكم، هي الداء فيما المنتَظر منها أن تكون الدواء. ولأنها كذلك، فدعوتها الشعب لعدم الهلع، هو سبب إضافي للهلع. فإن لم ينتشر كورونا البيولوجي بفعل الصدفة، فالفيروس الاقتصادي مستمر بفضل صندوق النقد وسياسات أهل الحكم.
نقلا عن موقع MTV