تقترب انتفاضة 17 تشرين من موعد توحيد صفوفها في نقابة المهندسين. آخر الاتصالات والاجتماعات أفضت إلى تكريس التوحيد بين “النقابة تنتفض” و”جبهة المعارضة اللبنانية”. وتستمرّ عملية التشاور أيضاً لمحاولة تبديد كل العقبات بين “النقابة تنتفض” و”المهندسون المستقلّون”. وهو أمر إن تمّ، تكون جبهة 17 تشرين قد وثّقت تحالفاتها لمعركة نقابية هي الأكبر منذ عقود بوجه المنظومة الحاكمة وأحزابها. بين هذه الأطراف الثلاثة، تجتمع حوالى 36 مجموعة وحزباً وتجمّعاً نقابياً في بيروت والمناطق، في حملة استعادة النقابة من أحزاب السلطة. فلا شكّ أنها المعركة النقابية الأضخم. وإذا نجحت المساعي، فلا يمكن القول سوى أنّ نقابة المهندسين ستكون على موعد مع “معركة كسر عظم” لا تعادل فيها ولا خروقات. فسيكون الاكتساح عنوان النتائج، للسلطة أو 17 تشرين.
استبعاد المرشحين الحزبيين
نجحت المساعي الأخيرة في الجمع بين “النقابة تنتفض” و”جبهة المعارضة اللبنانية”، على الرغم الكثير من “الأخذ والردّ” والعديد من محاولات إفشال هذا التحالف من داخل أجواء 17 تشرين. المعترضون على هذا التحالف وضعوا حزب الكتائب عنوان الخلاف. فالحزب، الذي يشكّل عصب “الجبهة” لا يزال البعض يتمسّك بتوصيفه من أحزاب السلطة، مشاركاً فيها وفي صفقاتها ومناصبها. إلا أنّ النقاشات أفضت إلى استبعاد أي مرشّح حزبي فاقع ويحمل مسؤوليات حزبية، تبعاً للمعايير التي وضعتها “النقابة تنتفض” لاختيار المرشحين. وفي هذا الإطار، يؤكد مطلعون على إدارة هذه النقاشات داخل التجمّع النقابي أنه تمّ تبديد العراقيل “لكن طبعاً نبقى بانتظار ردود فعل عدد من الأشخاص أو المجموعات الذين لا بد من التعامل معهم بوعي كافٍ للتأكيد على ربط جميع أطراف وقوى المعارضة داخل النقابة”.
العداء للشيوعيين
وقبل حزب الكتائب، كانت أطراف مشاركة في المعركة النقابية تحاول ضرب وحدة مجموعات 17 تشرين من خلال التصويب على الحزب الشيوعي المنضوي ضمن “النقابة تنتفض”. وهذه الحملة لا تزال مستمرّة إلى اليوم، وتصدر عن مجموعات ضمن هذا التجمّع وخارجه، في أداء لا يمكن فهمه ولا تبريره. فيتمّ التصويب على الحزب الشيوعي كعميل لحزب الله أو تابع له من جهة، كما يعود قسم آخر لمحاسبة الشيوعيين على مواقفهم في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته إلى جانب منظمة التحرير إضافة إلى موقعه خلال الحرب الأهلية اللبنانية.
الكتائب والشيوعي.. عصب
في 17 تشرين، ناشطون وناشطات ومجموعات وتجمّعات، تحمل الضغينة تجاه الكتائبيين والشيوعيين. ينبشون التاريخ في أحيان كثيرة لاستمرار أبلسة الحزبين اللذين لم يبخلا بأي جهد ممكن خلال أيام الانتفاضة وما لحق بها. حزب الكتائب فتح مركزه لاستقبال ضحايا البطش الأمني على أيدي رجال الأمن والشبيحة. نقلت قيادته حزبها من موقع إلى آخر خلال أقلّ من عقد، تخلّت عن السلطة وصفقاتها، استبعدت نفسها عنها واستقالت من المجلس النيابي. الحزب الشيوعي، وغيره، واجه البلطجيين في الشوارع، في “رياض الصلح” وساحة الشهداء وصور والنبطية وكفررمان وبعلبك. قدّم نموذجاً في المواجهة وقال إنّ أيّ “مقاومة” لا تقوم على فساد وجوع وإفلاس. هما حزبان، يشكّلان عصباً أساسياً في 17 تشرين، حتى لو رأى البعض عكس ذلك. هما عصبان في نقابة المهندسين أيضاً.
العداء للأحزاب
في فلك 17 تشرين، ثمة جو يشيع العداء للأحزاب. وهو عداء يمكن تقسيمه إلى قسمين. أولاً، عداء مطلق للأحزاب والمحازبين، مبني فعلياً على فشل تلك الأحزاب في ممارساتها ومراجعاتها واصطفافاتها. لكنه مبني أكثر على خوف من أن “تأكل” هذه الأحزاب “الجوّ” وتسيطر على القرار والمشهد. ثانياً، عداء موجّه ضد أحزاب محدّدة، مثل من يرتضي بالحزب الشيوعي ويرفض الكتائب، أو العكس، تبعاً لأفكار أو مبادئ. وبين العداءين، المطلق والموجّه، سلّة من الأحقاد التاريخية والشخصية والنفسية تغذّي كل المهاترات الحاصلة. فتصعد ظاهرة “الحَرَد” و”السَنغَفة” والتهديد بالانسحابات، كأننا في “لعبة بيت بيوت”. هذا ما حصل في طرابلس، قبل أسبوع، ولم يتّعظ منه البعض بعد.
عنوان “النقاء الثوري”، في معركة انتخابية مماثلة، لا مكان له في الميدان. ثمة سلطة يجب إسقاطها وثمة انتفاضة لا بد أن تنتصر في نقابة المهندسين. لا أكثر ولا أقلّ.