في وقت يجري فيه التحضير لتعيين مسؤولين فنيين في المراكز الثلاثة الشاغرة، فإن المتوقّع هو البحث عن أصحاب كفاءة وليس تسليم مهمات وظيفية حساسة لأشخاص غير كفوئين، ما يؤدي إلى تراجع في الأداء وانحدار في المستوى الأكاديمي.
بين 15 آذار و17 أيار، تغيّرت مرتين شروط اختيار مسؤول فني لمركز الموارد في دار المعلمين والمعلمات التابع للمركز التربوي للبحوث والإنماء. في المرة الأولى، اشترط الإعلان عن إجراء مباراة محصورة لاختيار مسؤول فني في مركز صيدا أن يكون المرشح من المدربين العاملين حالياً في إطار مشروع التدريب المستمر، ويملك خبرة لا تقلّ عن عشر سنوات. وفي المرة الثانية انخفضت المدة إلى سبع سنوات في كل من إعلانَي مركزَي بعلبك وزحلة للمنصب نفسه.
تعديل شرط الخبرة في فترة قصيرة لا تتجاوز شهرين ترك علامات استفهام حول المعايير التي تعتمدها مؤسسة بحجم المركز التربوي تهندس المناهج وشخصية المعلمين والطلاب ويفترض أنها تبحث عن الكفاءات الأكاديمية وتختار أفضلها، خصوصاً أن التربية هي آخر قطاع يمكن أن يراعي الخدمات أو يطوّع القوانين لمصلحة أفراد أو أحزاب سياسية، بحسب مصادر جهات رقابية.
وفي وقت يجري فيه التحضير لتعيين مسؤولين فنيين في المراكز الثلاثة الشاغرة، فإن المتوقّع هو البحث عن أصحاب كفاءة وليس تسليم مهمات وظيفية حساسة لأشخاص غير كفوئين، ما يؤدي إلى تراجع في الأداء وانحدار في المستوى الأكاديمي.
رئيس المركز التربوي بالتكليف، جورج نهرا، عزا في اتصال مع «الأخبار» خفض شرط الخبرة من 10 إلى 7 سنوات إلى أنه «لم يتقدم أي من الأساتذة لهذه المسؤولية، لذا اضطررنا لتخفيف الشروط»، لافتاً إلى أنه «يُنتظر أن يصدر إعلان جديد خاص بمركز صيدا مشابه لمركزَي زحلة وبعلبك، لأن المعايير يجب أن تكون موحّدة للجميع». إلا أن معلومات «الأخبار» تشير إلى أن المسؤولة الفنية في مركز النبطية، مثلاً، قدّمت طلب نقل إلى مركز صيدا، لكنه رُفض لكون رئيسة لجنة التربية النيابية ونائبة صيدا بهية الحريري تسعى إلى تعيين أستاذ تعليم ثانوي من بلدة القرية – شرق صيدا منتسب إلى التيار الوطني الحر وملحق حالياً بمكتب وزير التربية، ولا يستوفي شرط السنوات العشر. أما مقدمة طلب النقل فرفضت التحدث لـ «الأخبار» عن حيثيات الموضوع، علماً أن هناك سابقة بنقل مسؤولة فنية من محافظة إلى أخرى.
هل فعلاً نفِدت كل الطاقات والإمكانات، وليس هناك من بين الأساتذة المدربين مرشحون يستوفون شرط السنوات العشر، أم أن ضغوطاً سياسية مورست وتُمارس على الأساتذة لعدم الترشّح، وأن الخفض «الفاقع» للشروط هدفه تفصيل المنصب على قياس أشخاص معيّنين تعدهم القوى السياسية لتسلّم المسؤوليات، وكأنّ هذه المراكز مُطوَّبة لهذه القوى كل الوقت، ما يؤدي إلى انعدام تكافؤ الفرص بين المرشحين. واللافت هنا أن الأحزاب التي تتناحر في السياسة تتفق في توزيع الحصص في ما بينها.
هذا الواقع ينسحب على مديريات وزارة التربية ومديري المدارس والثانويات الرسمية، فالتعيين لا يسلم من مرجعيات سياسية تزكي من تريد، رغم وجود آلية واضحة وشروط محددة تنص عليها القوانين. ويحدث غالباً أن يُستجلب الدعم السياسي قبل أن يشغر المنصب.
هكذا، يغرق التعليم الرسمي في ضغوط تنعكس سلباً على إنتاجيته. فتزاحم المرجعيات السياسية على الاستيلاء على الإدارات عبر تولية أتباعها، من خارج نصوص المؤسسات، دليل واضح على أنّ من يتدخل لدعم تكليف أحد المرشحين دون الآخر لا يعني له ماذا يحل بمستوى التعليم الرسمي ومصالح التلامذة، إذ لا ينقص هذا التعليم الذي يمرّ في مرحلة حرجة إسقاط المحظيّين على إداراته، ويكفيه ما يعانيه بسبب تولية أصحاب المصالح المتضاربة مع مصلحته… عليه.
المصدر: الأخبار