2022، عام الاستحقاقات، فلبنان على موعد مع مغامرة جديدة، ألا وهي الانتخابات البرلمانية. لا شكّ أن أحزاب السلطة سوف تعمل من دون كلل على التلاعب بمسار الانتخابات، إذ تبدّلت، بعد 17 تشرين، الحسابات السياسية كافة وبات التخوف من ترجمة الغضب الشعبي في صناديق الاقتراع واضحًا وجليًا، لاسيّما غضب الشتات اللبناني حول العالم.
أتاح قانون الانتخابات النيابية الذي اقرّ عام 2017 المجال لغير المقيمين للاقتراع. تشير المادة 111 منه إلى أنه “يحقّ لكلّ لبناني غير مقيم على الأراضي اللبنانية أن يمارس حق الاقتراع في مراكز انتخابية في السفارات او القنصليات او في اماكن اخرى تحددها الوزارة وفقاً لأحكام هذا القانون وبالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين، شرط أن يكون اسمه وارداً في سجلات الأحوال الشخصية وألّا يكون ثمة مانع قانوني يحول دون حقه في الاقتراع عملا بأحكام المادة الرابعة من هذا القانون”.
على الرغم من ان آلاف الناخبين غير المقيمين في لبنان حققوا رغبتهم في المشاركة في عملية صنع القرار في انتخابات 2018 وقاموا باختيار ممثليهم إلى مجلس النواب اللبناني، الا ان العملية الانتخابية تخللتها جملة شوائب، بدءاً من مراحل التحضير الأولى وصولاً إلى فرز الأصوات واعلان النتائج.
وكان أهمها، المخالفات على مستوى نقل الصناديق من الخارج، اذ برز تشكيك من المواطنين في شأن امكانية التلاعب بها خلال انتقالها إلى بيروت.
أضف إلى ذلك، الاتهامات التي وُجّهت الى وزير الخارجية والمغتربين السابق جبران باسيل باستخدام الداتا من أجل غايات انتخابية، خصوصاً أنّها تتيح القيام بزيارات انتخابية عابرة للقارات، بالاضافة إلى تقديم خدمات انتخابية.
ومن أبرز العوائق التي سجلت في الانتخابات السابقة، نذكر أيضًا عدم إعطاء اللبنانيين المقيمين في الخارج المدّة الزمنية اللازمة للتسجيل. فوفق المادّة 113 من قانون الانتخابات 2018، “تدعو الوزارة بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين بواسطة السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج، اللبنانيين الذين تتوافر فيهم الشروط المذكورة أعلاه، لإعلان رغبتهم بالاقتراع في الخارج وذلك بتسجيل أسمائهم عبر حضورهم الشخصي أو بموجب كتاب موقّع ومثبت وفقا للأصول أو بموجب التسجيل الإلكتروني في حال اعتماده”.
كما تنصّ المادّة 113 على ألّا تتجاوز المهلة المعطاة للتسجيل العشرين من شهر تشرين الثاني من السنة التي تسبق موعد الانتخابات النيابية.
في انتخابات 2018، عمدت الدولة إلى فتح باب التسجيل من خلال تعميم رقم 52 الذي صدر يوم 18 أيلول 2017. إذا كانت الانتخابات سوف تُجرى في موعدها في ايار 2022 ولن تقع في فخ التأجيل، على الدولة اللبنانية وبالأخص وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الداخلية والبلديات، الاسراع والمباشرة فوراً بالتحضيرات لفتح باب التسجيل للاقتراع في الخارج. وأي تقاعس في انجاز هذه الخطوة سيفسر على انه محاولة لاسكات الصوت المغترب.
مع تنحّي وزير الخارجية شربل وهبة، نخشى أن نقع في فخ آخر من التقاعس والتضليل. لذا على الوزيرة زينة عكر مسؤولية الإسراع في عملية التحضير لاقتراع اللبنانيين في الخارج وعملية التسجيل، خصوصاً أن وهبة لم يكن حتّى على دراية بوجوب تسجيل مغتربين في الخارج، وهو أمرُ مضحك مبكٍ فعلاً.
كانت انتفاضة ١٧ تشرين فرصة للاغتراب اللبناني ليوصل صوته من خلال دعوته وتنظيمه لتظاهرات حاشدة في معظم عواصم العالم دعمًا للحراك الشعبي في لبنان. واللافت في الدعوات في الخارج، أنها أتت من قبل أفراد مغمورين، وطلاب جامعيين، كان شعارهم الأوحد “كلن يعني كلن”.
إذًا، بالنسبة الى الاغتراب اللبناني، ما قبل انتفاضة 17 تشرين ليس كما بعدها، وأتت جريمة المرفأ بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، فمشاعر الصدمة والحزن والغضب تأججت في نفوس آلاف اللبنانيين غير المقيمين الذين لطالما عاملتهم الأحزاب التقليدية كآلات لفرز الأموال فقط لا غير.
من هذا المنطلق، لا شكّ أن السلطة سوف تسعى جاهدة لمنع اللبنانيين غير المقيمين من التصويت أو التسجيل متذرعةً بحجج تقنية وماديّة ولوجستية كما عوّدتنا أن تفعل. بالإضافة الى خوف الاحزاب التقليدية من توجهات المغتربين السياسية، فإن لحزب الله هواجس خاصة به، خصوصاً أنه لا يمكن لحزب الله الاستفادة من أي ناخب مغترب بشكل علني، إذ ان المهاجر يخاف ان يتعرّض للعقوبات نتيجة التصويت لمصلحة الحزب وحلفائه. بالاضافة إلى الخوف من التأثر الذي قد يلعبه الصوت المغترب في الدوائر التي تتميز بمعارك انتخابية محتدمة، خصوصًا مع ارتفاع أعداد المرشحين المستقلين وفقدان الثقة بأحزاب السلطة.
نظراً لأهمية عملية إقتراع “الدياسبورا” التي تستطيع إحداث تغيير سياسي جذري وتقديم الدعم للحركات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، على الدولة ألّا تتقاعس عن فتح باب التسجيل، وعلى المغتربين الضغط في سبيل حقوقهم الانتخابيّة.
المصدر: mtv