قبل إنتخابه رئيسًا للجمهورية بثلاثة ايام، زار العماد ميشال عون الرئيس نبيه بري، الذي إشترط عليه عدم إصطحابه الوزير جبران باسيل.خلال اللقاء، وعلى ذمة الراوي، قال بري لعون بأنه سيؤمّن له نصاب جلسة الأنتخاب، وأبلغه سلفًا بأنه لن ينتخبه وأعطى الحرية لإعضاء كتلة “التحرير والتنمية”.وعندما سأله عون عن السبب الذي يحول دون إنتخابه، قال له: لا أستطيع أن أنتخب رئيسين، ميشال عون وجبران باسيل، الذي ردّ عليه بعد سنتين تقريبًا عندما وصفه ب”البلطجي”.
بعد ثلاث سنوات، التي شهدت علاقة الرئيس سعد الحريري بالوزير باسيل الكثير من الطلعات والنزلات، والكثير من التفاهمات والخصومات حفاظًا على تسوية لم تعمّر أكثر من نصف العهد، وكان مكتوبًا لها أن تستمر حتى نهاية العهد، وهذا شرط لازم من شروط التسوية الرئاسية، وصل رئيس تيار “المستقبل” إلى النتيجة التي كان وصل إليها الرئيس بري قبل ثلاث سنوات.وهذه النتيجة قالها الحريري بالأمس في الذكرى الخامسة عشرة لإغتيال والده، الرئيس رفيق الحريري، وحمّل باسيل كل “الخطايا” التي إرتكبت طوال ترؤس الحريري لحكومتي العهد، وقال: “الرئيس عون يعرف احترامه عندي، ويعرف كم أنا أحفظ له مواقفه معي، تماما كما هو يحفظ لي مواقفي معه، لكن مع الأسف وصلت إلى مكان مضطر أن أقول فيه، إني تعاملت مع رئيسين، وكان المطلوب مني دائما، أن أؤمِّن العلاقة مع رئيس الظل، لأحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي.”ردّ باسيل لم يتأخر، وقال مغرّدًا: “رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون اطول واصعب عليك”. وبذلك يكون باسيل قد ترك مكانًا للصلحة، إذ لا عداوة مطلقة في السياسة، كما أن لا صداقة دائمة، وهذا ما كان لبنان، ولا يزال، يشكو منه، وهي الإزدواجية في المواقف.هذه هي قصة سعد مع جبران منذ أن فرض رئيس “التيار الوطني الحر” نفسه كمعادلة لا بدّ منها، ومنذ أن قال الرئيس عون، وكان يومها رئيسًا لـ”التيار”، أنه كرمى عيون جبران لن نقبل بتشكيل حكومة لا يكون فيها من أساسيات عدّة شغل “التيار”.معادلتان أحلاهما مرّ أظهرتا مدى العجز السياسي أمام أزمة بحجم الأزمة التي يعيشها الوطن، وهي في الأساس من صنع أصحاب هاتين المعادلتين، بحيث وضعت البلاد في دوامة المعادلات التي لا أساس لها في المنظومة السياسية الطبيعية. فعندما أتفق الحريري وباسيل من ضمن ما يُسمّى التسوية الرئاسية، وكان “حزب الله” شريكًا فيها، واجهتنا أكثر من مشكلة. أما حين أختلفا وأفترقا دخلنا في مرحلة المراوحة القاتلة، خصوصًا أن الحريري، لم يستطع أن يشكل حكومتيه في ظل “العهد القوي”من دون غطاء الوزير باسيل ومعه حليفه “حزب الله”. وهذا ما أدخل البلاد في مرحلة من الجمود، مع ما يُعلن في الخارج عن عدم الإستعداد لمدّ يد العون قبل أن يقرر اللبنانيون مساعدة أنفسهم أولًا.فما بين الحريري وباسيل أكثر من قصة، وهما كانا في عين العاصفة وفي المركب نفسه المهدّد بالغرق، وكان القاسم المشترك بينهما تسوية لم تصمد عند أول عاصفة، فأنهارت وأنهارت معها “الزيجة المارونية”، التي كان البعض يعتقد أنها ستبقى صامدة على رغم الخلافات بين طرفيها، وهذا ما كانت تحاول “القوات” إفهامه للحريري، الذي غيّبها عن خطاب “بيت الوسط” وأكتفى بإلقاء التحية على الوزيرة السابقة مي شدياق، التي كانت تمثّل “القوات” في الإحتفال، وهذا يعني، على عكس العلاقات بين “بيت الوسط” والمختارة، أن طبخة عودة العلاقات مع معراب لم تستوِ بعد، وأن معادلة صديق صديقي هو صديقي وعدو عدوي هو صديقي أيضًا لم يحن آوانها بعد، وهذا يعود إلى أن الحريري لم “يهضم” بعد عدم تسميته لرئاسة الحكومة من قِبل “القوات” قبل أن يقرر العزوف عنها.فعود على بدء يمكن الإستنتاج أن الجرّة مع باسيل قد إنكسرت ولا مجال لإعادتها إلى طبيعتها، وأن العودة بالنسبة إلى الحريري لن تكون “صعبة أو طويلة” بل مستحيلة.