كتب ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
لا شكّ انّ المشهديّة الأكثر هيمنة على الساحة الدّوليّة اليوم هي ما يجري في التفاوض مع الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران لاستعادة الاتّفاق النّووي الذي نسفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إنّما هذه المرّة بشروط أميركيّة جديدة. والأهمّ بالنسبة إلى المجتمع الدّولي هو تطويع إيران، والحدّ من قدرة تحوّلها إلى قوّة عظمى، لا بل إلى قوّة إقليميّة فرضت وجودها بزرع منظومة صاروخيّة بالستيّة بواسطة أذرعها المسلّحة في العواصم الأربع التي أعلن سليماني سيطرة إيران عليها. فهل ستستطيع إيران الحفاظ على منظومتها هذه؟ وهل سيسلم لبنان من السيطرة الايرانيّة في زمن مفاوضات بايدن؟
ما زالت المفاوضات مع إيران في بدايتها، ويبدو أنّها ستطول، والدليل على ذلك أنّنا ما زلنا في مرحلة تشكيل اللجان، إذ تشكّلت لجنتان من الخبراء لبحث الإجراءات العملية من أجل المضي قدماً، بعدما وصف السفير الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميكائيل أوليانوف، المحادثات التحضيرية بأنها “ناجحة”. ونبّه أوليانوف الى أنّ “العودة إلى الاتّفاق لن تحدث في فترة وجيزة”، مضيفاً أن الأمر “يتطلب وقتاً، لا نعرف ما إذا كان طويلاً أم قصيراً، ولكن الأهمّ أنّ المحادثات من أجل بلوغ هذا الهدف بدأت”. كذلك أشار المتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة، نيد برايس، إذ قال في مؤتمر صحافي في واشنطن قبل بدء المحادثات في فيينّا: “لا نتوقع نجاحاً سريعاً، فهذه المحادثات ستكون صعبة مثلما يتوقّع الجميع”.
إن دلّ ذلك على شيء فعلى أنّ الأزمات في المنطقة ستطول أكثر، إن لم تتفاقم بعد. ولبنان هو محور هذه الأزمات لأنّ المسائل ما زالت سياسيّة فيه، ولا يعلم أحد إلى أيّ مدى مستعدّ وكيل إيران “حزب الله” اللبناني أن يذهب في تماديه. من هنا، لا يبدو أنّ الموضوع الحكومي قد يشهد انفراجاً ما، أو قل فكّ أسر هذا الملفّ. فبالنّسبة إلى إيران لبنان هو المصدر لتهديد إسرائيل، واليمن هي المصدر لتهديد السّعوديّة، وسوريا هي المصدر لتهديد إسرائيل ولبنان وتركيا، والعراق هو المصدر لتهديد قوّات التحالف والناتو مباشرة في المنطقة الخضراء.
من هذا المنطلق، يتأكّد لأيّ متابع أنّ ملفّ التفاوض ما زال في بداياته. وستبقى إيران مصرّة على تمسّكها بالمفاتيح الأربعة التهديديّة التي أشرنا إليها آنفاً. ووسيلة التهديد هي الصواريخ البالستيّة، وليست السلاح النّووي. فإذاً الملفّ النووي هو شأن إيرانيّ داخلي ودولي، بينما الصواريخ التي نجحت إيران بتصديرها إلى الحوثيين في اليمن و”حزب الله” في لبنان هي مصدر التهديد الاقليمي. وهذا ما سيشكّل المادّة الأساس في المفاوضات.
وفي هذا السياق أتى ردّ المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي على تصريحات المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، الأسبوع الماضي الذي طمأن الى أنّ “العقوبات الأميركيّة لا تتناسب مع الاتّفاق المبرم مع إيران”. فأكد ربيعي أن إيران “مستعدة للعودة على نحو مشترك إلى كل التزاماتها في أقرب وقت ممكن بعد التأكد من التزام الأطراف الأخرى بواجباتها”. وهذه رسالة واضحة بأنّ إيران مستعدّة لأن تحرّر الملفّ الاقليمي شرط أن تنال مكاسب في ملفّيها: الداخلي والدّولي. فهي تبحث لنفسها عن مكان في الأسرة الدّوليّة، ويبدو أنّ الملفّ الاقليمي هو مجرّد ورقة تفاوضيّة بيدها لتحسين شروطها. فبذلك تحرّر إيران أموالها المحتجَزَة لتضخّ السيولة في اقتصادها، وتعود من البوابة النفطيّة من جديد إلى النادي الدّولي.
ولا يعتقدنّ أحد أنّ النّادي الدّولي يفاوض إيران من منطَلَقٍ خلافيّ قد تستغلّه الأخيرة لصالحها. فبحسب “برايس” الذي أعرب عن قناعته: “أنّ مصالح الولايات المتحدة تتطابق مع مصالح روسيا والصين عندما يدور الحديث عن تجاوز الأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني”. وقال إنّ “توجّه إيران نحو امتلاك السلاح النووي لا يصبّ في مصلحة موسكو أو بكين بالطبع”.
من هنا، لا يبدو أنّ إيران ستستطيع الحفاظ على منظومتها البالستيّة إلى ما لا نهاية لأنّ الضرورات الحياتيّة الداخليّة لا يمكن أن تحلّ بتوجّهها إلى الصين فقط. وعلى ما يبدو أنّ مسار هذه المفاوضات سيكون بطيئاً جدّاً، أي أنّ بايدن سيواجه إيران بديبلوماسيّتها المطّاطة نفسها. وحتّى الانتهاء من هذا الملفّ لا يبدو أنّ لبنان سيبقى بمنأى عن التأثّر والتأثير الايراني في المنطقة. فهل سيكون الحلّ اللبناني على قاعدة المثل الشعبي “ما بيحكّ جلدك غير ضفرك”؟