كتبت فالنتينا سمعان في “أخبار اليوم”:
مساء الرّابع من شهر آب، هزّ انفجار ضخم مرفأ العاصمة بيروت، وتردّد صداه في مختلف دول العالم. يومها، توقّفت عقارب السّاعة عند السّادسة و6 دقائق، ولم يبقَ من بيروت سوى مشاهد الدّمار وفي نفوس اللّبنانيين سوى الحزن والمعاناة وما زالت مستمرّة.
يومها، تغيّرت واجهة بيروت البحريّة، فاتّشحت سوادًا وانقلبت رمادًا…
هناك، وفي عمق الكارثة، مرفأ تبدّل من لوحة تضجّ بالحياة إلى لوحة تجسّد مأساة، من أضواء متنوّعة متناسقة تحمل معها الأحلام إلى دخان متصاعد ومتشابك الألوان يحمل معه أرواحًا طاهرة.
هناك أيضًا، ووسط كلّ الدّمار، بقيت أعمدة من الباطون تنتصب بقوّة قيل أنّها أنقذتنا من فاجعة أكبر لامتصاصها الجزء الأكبر من عصف الإنفجار. لكنّ هذه الأعمدة بدأت بالإستسلام، فاليوم، وبعد 8 أشهر على “الكارثة”، حذّر خبراء في الشركة السويسريّة “أمان إنجنيرينغ”، التي قدمت للبنان مساعدة بإجراء مسح بالليزر لإهراءات الحبوب بالمرفأ عقب الانفجار في تقرير من أنّ صوامع الحبوب في مرفأ بيروت “هيكل غير مستقر ومتحرّك”، وأوصوا بهدمها لأنّها آيلة للسقوط.
“تميل بمعدّل 2 ملم في اليوم”، يوضح التّقرير، ويؤكّد أنّ الوقائع لا تبشّر خيرًا، “فما من طريقة لضمان السّلامة حتّى على المدى المتوسّط إذا بقيت الكتلة الشماليّة من المبنى على ما هي عليه”.
أثار هذا التقرير مخاوف عدّة لما له من تداعيات على الإقتصاد اللّبناني والأمن الغذائي في ظلّ الأزمة الماليّة التي تمرّ بها البلاد، على اعتبار أنّ لبنان يعتمد بشكل كبير على الواردات لإمداداته الغذائيّة والإهراءات تشكّل أكبر مخزن للحبوب والقمح، وقدرتها الإستعابيّة تزيد عن 100 ألف طن، وفي حال هُدِمَت لا بديل للتّخزين.
الصّوامع بين المخزون والتفريغ
تعليقًا على ما نُشِر، أوضح مدير عام الإهراءات أسعد حداد أنّ لبنان ومنذ بداية الأزمة يعتمد على مخزون المطاحن المقدّر بحوالى 100 ألف طن، وحتى اليوم لا يزال كذلك، فلا جديد على مستوى بناء أي بديل، على الرغم من أنّ المشروع طور الإنجاز.
وأضاف حداد عبر وكالة “أخبار اليوم”: “حتى اليوم ما زالت الأمور إداريّة بين مجلس الإنماء والإعمار ومجلس الوزراء، على الرّغم من الضّغط الكبير من قبل رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون للإسراع في سير الأمور بحسب ما قال السفير الكويتي في بيروت عبدالعال القناعي، على اعتبار أنّ الكويتيّين أخذوا على عاتقهم بناء الإهراءات”.
وتابع: “أمّا بالنّسبة للتفريغ، والذي يعتبر أساسيًّا لسلامة الحبوب، فتمّ استلام ثلاث آلات من بلجيكا منذ أسبوعين وما زالت هناك تحضيرات لوجستيّة على أن يبدأ التّفريغ خلال الأسبوعين المقبلين”.
وفي ما يتعلّق بموضوع الهدم، أشار حداد إلى تقريري الشّركة السويسريّة اللذين يلخّصان حال “البلوكات” الموجودة. وشرح أنّ هناك “بلوكين” منفصلين عن بعضهما، أحدهما تمّ أخذ قياسه البنائي ثلاث مرّات منذ 4 آب، حيث تبيّن أنّه كان مائلًا مع الإنفجار والآن عاد إلى مكانه ما وصفه “بالخطر الكبير”، وبالتالي يفضَّل أن يُهدَم.
أمّا “البلوك” الثاني، فمستقرّ حتى اليوم وهناك إمكانيّة لترميمه.
وعن الحبوب الموجودة داخل الإهراءات وفي محيطها، قال حداد: “هناك شركة فرنسيّة وبتمويل من الدّولة الفرنسيّة من أجل إعادة التدوير، وسينتهي تقريرها في الأسبوعين المقبلين وبالتالي يُعرَف مصيرها (الحرق، الطّمر…).
التدعيم بديل للهدم
من النّاحية العلميّة، اعتبر نقيب المهندسين جاد تابت أنّ تقرير الشّركة السّويسريّة غير مقنع، مؤكّدًا أنّ هذا الموضوع لا يمكن الإستعجال به، لذا من المفترض التريّث والعمل على دراسة أخرى تؤكّد النّتائج.
وبرأي تابت، هناك طريقة للتّدعيم، خصوصًا ألّا شيء واضح لما بعد الهدم، لذا وجب القيام بدراسة أخرى شاملة للمرفأ وعليه يُتّخذ القرار.
وختم: “الهدم يكلّف أموالًا طائلة، من الأفضل أن تُستخدم في مكانها الصّحيح لأنّ هناك أولويّات أكبر وأهمّ من الإهراءات”.
تفاوت في الآراء
… بين الهدم والردم آراء متفاوتة علميًّا وشعبيًّا، فهل “يُحكَم بالإعدام” على التي صمدت في وجه ثالث أكبر انفجار عالميًّا، أم تُترَك شاهدة على جريمة حصدت أرواحًا بريئة وتُحوَّل إلى معلم تاريخيّ لتكريم الضّحايا كما يطالب البعض؟