سرّ الاهتمام الفرنسي والأميركي بطرابلس

كتبت جنى الدهيبي في “المدن”:

يبدو أن أميركا وفرنسا، يتلمسان عبر سفرائهما فرص الاستثمار في طرابلس، وتوظيف مرافقها جغرافيًا، نظرًا لجاذبيتها على الخريطة، وامتلاكها لمرافق حيوية كالمرفأ والمنطقة الاقتصادية وسكة الحديد ومساحة واسعة من معرض رشيد كرامي الدولي، ومصفاة النفط، وقربها من مطار القليعات، وإن كان معظمها بحكم المعطل.

فهل حان الوقت لإطلاق عجلتها؟

في نهاية عام 2020، برز حراك دبلوماسي غربي لافت شمالًا (راجع “المدن”). وكانت الخطوات الأميركية والفرنسية الأكثر تقدمًا. في البدء، ربط البعض الاهتمام الفرنسي بطرابلس أنه جاء توازيًا مع الحديث عن تمدد “الحضور” التركي في المدينة. لكن، يبدو أنّ السفيرة الفرنسية، آن غريو، ذهبت لخطوات عملية، وعبّرت عن رسالة مفادها أن “طرابلس ومنطقة الشمال بإمكانهما أن يلعبا الدور العملي الذي يخدم كل المنطقة ويضع الطموحات موضع التنفيذ، وذلك ضمن إطار التنمية الشاملة للبنان”.

وفي مطلع آذار 2021، أعلنت السفيرة الفرنسية عن تقديم مساعدة إستثنائية بقيمة 1،1 مليون يورو إلى منظمات تؤمن مساعدة مباشرة لسكان طرابلس وجوارها. وحسب المعلومات، فإن منظمات وجمعيات أهلية تولت من خلال الهبة الفرنسية، تقديم معونات غذائية لـ20 ألف عائلة فقيرة لمدة 6 أشهر.

وفي 11 كانون الثاني الفائت، زارت السفيرة غريو مرفأ طرابلس، كما أن الشركة الفرنسية العالمية CMA CGM استحوذت على حصص شركة Gulftainer التي كانت تقوم بتشغيل رصيف الحاويات بمرفأ طرابلس. ومن شباط 2021، بدأت الشركة نفسها تستخدم مرفأ طرابلس كمحطة أساسية لها في شرق البحر المتوسط، من خلال خطين بحريين لسفنها تمر عبر دول متنوعة أبرزها قطر والإمارات وباكستان والهند مرورًا بالسعودية ومرفأ طرابلس اللبناني، وصولًا إلى مالطا وجنوى الإيطالية، إلى جانب خدمات البضائع المحلية والمسافنة، ليرتفع معهما المعدل الشهري لسفن الحاويات التي تؤم مرفأ طرابلس من 12 إلى 22 سفينة. كما اشترت الشركة نفسها أسهم شركة Gulftainer لتشغيل رصيف الحاويات بالمرفأ.

المنطقة الاقتصادية

وبعد أن أصبح هذا المرفأ مركز استقطاب للسفراء الغربيين، حملت زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا، لمرفأ طرابلس في 1 نيسان، رسائل عدة، وهي الزيارة الثانية للمدينة. وعلمت “المدن” أنها أبدت اهتماما كبيرًا بالمنطقة الاقتصادية. وتفيد المصادر أن زيارة شيا التي جاءت بعيدة من الإعلام، طغى عليها طابع الاستماع لمشاريع المرفأ والمنطقة الاقتصادية، وأعربت عن نيّة للمساعدة لكون المرفأ لوجستياً، وقد يكون مفتاحًا للتنمية بعد تشغيل الفرنسيين لشركتهم برصيف الحاويات، ولأن المرفأ تُطبّق فيه الإجراءات الإلكترونية وتشغيل القطاع الخاص، ناهيك عن أهميته كخط حيوي استراتيجي مع سوريا والعراق؛ بينما جرى تركيز السفيرة على ضرورة تشغيل المنطقة الاقتصادية، وأبدت حماسًا لها.

وقد اقتصرت السفيرة الأميركية لقاءاتها السياسية في طرابلس على خمس شخصيات، وهم الوزيرة السابقة ريا الحسن ومصطفى علوش من المستقبل، نقولا النحاس من الوسط المستقل، والسياسي خلدون الشريف وأحمد الصفدي، إضافة إلى صاحب الدعوة ريتشارد هيكل.

وبغض النظر إن كان هناك تكامل أو تنافس فرنسي-أميركي مستجد على طرابلس، يبدو أن هناك توجهاً لصياغة مقاربة جديدة حول طرابلس ودورها في المرحلة المقبلة، على قاعدة ترسيخ توازنات إقليمية جديدة في لبنان، في ظل انحسار الدور الخليجي بالمدينة، مقابل التخوف من تسلل موجات تطرف جديدة عبر الحدود. لذا، طغى التركيز الغربي المستجد على طرابلس، لما تختزنه من قدرات اقتصادية وأبعاد جيوسياسية، جرى الإلتفات إليها بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

مشاريع استثمارية

بالموازاة، تعمل إدارة مرفأ طرابلس منذ سنوات على وضع مخطط توجيهي ومشاريع تطويرية ليكون واحدًا من أهم المرافئ اللوجسيتية بالمنطقة، وأحد أبرز أهدافه مستقبلًا هي المشاركة بإعادة إعمار سوريا. (راجع “المدن”).

أمّا المستجد في الحراك الدبلوماسي شمالًا، فهو الاهتمام بالمنطقة الاقتصادية، وقد أعرب عنه الجانب الأميركي. وللتذكير، فإن مشروع المنطقة الاقتصادية الذي عملت عليه وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن، خلال عهدها برئاسة المنطقة الذي دام 4 سنوات، استطاعت أن تروج لها لدى البنك الدولي، وكانت بصدد توقيع بروتوكول تعاون تكاملي معه، وكانت تعمل لرفع مستوى “المنطقة الاقتصادية” بما يجاري التجارة والعلاقات الدولية.

هذه المنطقة الاقتصادية التي أقرّت الحكومة مشروع إنشائها في العام 2008، تهدف إلى إقامة مشاريع استثمارية وأعمال في التجارة والصناعة والخدمات والتخزين وغيرها، ويعفى المشروع الاستثماري الذي ينفذ في هذه المنطقة من العديد من الرسوم والضرائب، على أن تشكل مدخلًا مهمًا لتنشيط الحركة الاقتصادية شمالًا، ولتوفير مئات فرص العمل.

مصالح سياسية

بالطبع، يدرك كثيرون أن أي جهة غربية لن تستثمر في مرافق طرابلس إلا وفق أجنداتها ومصالحها داخليًا واقليميًا، وفي السياسة كما الاقتصاد. لكن، يرى مراقبون للاهتمام الغربي بطرابلس، أن هذه المدينة، سبق أن اختبرت مختلف الأجندات السياسية ولم تأخذ مقابلها سوى الانهيار والإفقار، ما يدفع لترقب نتائج مساعي الاستثمار الغربي بالمدينة.

عمومًا، أي خطوة استثمارية في لبنان عبر صوغ اتفاق مع المجتمع الدولي، ستبقى مقرونة بتشكيل الحكومة وبرنامجها الإصلاحي. أما في طرابلس، فإن الحركة الدبلومسية ما زالت بإطار التلمس والمراقبة وجسّ نبض سبل الاستثمار، من دون الإقدام على خطة جدية وواضحة.

لكن القوى السياسية شمالًا، والتي لا طالما استثمرت سياسيًا وشعبيًا بشعارات النهوض بطرابلس، من دون أي مشروع يعتد به، لا بل بقيت مرافق الشمال شبه معطلة، فإنها تبدو قلقة من الاهتمام الغربي الذي لم يضعها على جدول أعماله بالطريقة التي تشتهيها، ما قد يهدد خسارتها تدريجيًا لورقة الزبائنية السياسية التي كانت تخاطب الناس بها.