ما بين لبنان وسنغافورة… أصغر منه بـ 10 مرات وصادراتها بـ 500 مليار دولار!

في الوقت الذي كان لبنان يعيش مرحلته الذهبية في مسار بناء الدولة خلال عهد الرئيس فؤاد شهاب، كانت سنغافورة الدولة المؤلفة من مجموعة جزر تحصل على إستقلالها من ماليزيا في ظل أوضاع إقتصادية ومعيشية وإجتماعية صعبة وبالغة التعقيد، تصل إلى حدّ إعتبارها دولة غير قابلة للحياة، لكن المسار الذي إتخذته التجربة السنغافورية جعلت إمكانية المقارنة مع لبنان اليوم جائزة وممكنة.

تبلغ مساحة سينغافورة نحو 700 كلم2، أي أقل من 10 في المئة من مساحة لبنان غير أن عدد سكانها يفوق 5.5 مليون نسمة ما يجعلها من أكثر الدولة كثافة في العالم، لكن الحكم على التجربة يجب أن يأخذ بعين الإعتبار الفرصة التي أخذتها والظروف المحيطة، وهنا أيضاً لا يبدو أن طريق سنغافورة كان معبداً، إذ إن العراقيل التي يتحجج بها النظام اللبناني لعدم الذهاب نحو الإصلاح والتطور موجودة بكثرة في الجزيرة الآسيوية.

ينقسم أبناء سنغافورة بين أعراق مختلفة، صينيون، ماليزيون وهنود، كذلك فهم موزعون على ديانات مختلفة تشكل مجموعة من الأقليات الكبرى في الدولة: البوذية (31 في المئة)، الطاوية (22 في المئة)، الإسلام (15 في المئة)، المسيحية (13 في المئة)، هندوس (3 في المئة) ومواطنين بلا ديانة (14 في المئة)، لكن التناقضات داخل المجتمع السنغافوري لا تقتصر على هذا الحدّ بل ان مواطني هذه الدولة لا يتحدثون لغة واحدة بل ثلاث لغات مختلفة.

لكن خطّة الإنقاذ بدأت منذ اللحظة الأولى التي حصلت فيها الدولة على إستقلالها، إذ كان متوسط حصة الفرد من الناتج الوطني لا يتجاوز 0.5 دولاراً كما أن 8% فقط من المواطنين يعيشون في وحدات سكنية.

عملت سنغافورة في البداية وفق سياسة التصنيع من أجل إستبدال الصادرات لتخفيف الأعباء على الخزينة، وسعت على تطوير صناعات المنسوجات والألعاب وزراعة الأزهار، لكن ما حققته هذه السياسة لم يكن كافياً للتطلعات السنغافورية نظراً لضيق حجم السوق المحلي، فإتجهت نحو سياسة التصنيع من أجل التصدير، الأمر الذي بدأ يستقطب الإستثمارات الأجنبية التي طورت القطاع الخاص المُلتزم بالتوجيهات الحازمة للحكومة المركزية.

سريعاً إتجهت سنغافورة إلى تطوير صناعاتها، من خلال إستيراد التكنولوجيا والآلات المتطورة ما زاد من إنتاجية رؤس الأموال وحسّن نوعية الصناعات، وأدخلت منذ بداية الثمانينيات الكومبيوتر إلى جميع المؤسسات التعلمية، الأمر الذي دفع بهذا البلد الصغير ليكون من أهم دول صناعة التكنولوجيا، ومركزاً دولياً لصناعة الكومبيوتر، اذ تطور دخل سنغافورة من تصدير برامج الكومبيوتر من 70 مليون دولار عام 1981 إلى 278 مليون دولار عام 1994.

جعلت سنغافورة التكنولوجيا اسلوباً للحياة في الجزيرة، مطورة الإتصالات والمواصلات وإدارات الدولة ومرافئها الأمر الذي جذب المستثمرين من دول الجوار .

بلغ النمو الإقتصادي في سنغافورة أرقاما قياسية، فوصل عام 2004 و2007 إلى 9 في المئة، ووصلت عام 2010 إلى 15 في المئة، كما تجاوزت حصة الفرد الـ55 ألف دولار سنوياً، وبلغ حجم الصادرات في هذه الدولة الصغيرة أكثر من 500 مليار دولار.
كما طورت سنغافورة قطاع التعليم والصحة والسكن حيث بات أكثر من 90 في المئة من مواطني الدولة يملكون منازلهم، في حين أن أكثر من 90 في المئة يعيشون في المساكن الحكومية التي إستطاعوا شراءها بسبب السياسات الإسكانية الميسّرة.المصدر: إعداد علي منتش