جنبلاط وبرّي طبخا الحكومة بتسهيل من نصرالله

كتب منير الربيع في “المدن”:

هل فتح الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الطريق لتشكيل الحكومة؟ سؤال تتداوله ألسنة اللبنانيين، مواطنين وسياسيين.

تراجع نصرالله نحو برّي

وجاءت لهجة نصرالله هادئة في الشكل والمضمون، وفي قوله إن لبنان استنفد روحه، ولا بد من وضع الخلافات جانباً، للذهاب إلى تشكيل الحكومة. ثم أشار إلى أن الأيام الماضية شهدت حركة جدّية على طريق التشكيل، وكذلك ستشهد الأيام المقبلة المزيد من التحركات. وأبدى نصر الله أمله في أن تحقق المشاورات الجماعية النتيجة المرجوة.
لا شك أن في كلام نصرالله تراجعاً نسبياً عن خطابه السابق، في الشكل والمضمون أيضاً. فالهدوء غلب على موقفه الأخير، وأعلن بشكل ما تأييده مبادرة الرئيس نبيه برّي: تشكيل حكومة من 24 وزيراً، بلا ثلث معطل، متراجعاً عن كلامه السابق: تشكيل حكومة تكنوسياسية، أو سياسية، واللجوء إلى التلويح بتفعيل حكومة تصريف الأعمال.

وموقف نصرالله الأخير أعقب لقاء جمع وفد من كتلة الوفاء للمقاومة برئاسة محمد رعد والرئيس نبيه برّي. وهدف اللقاء التنسيق وتبديد الاختلافات، والإبقاء على تصور مشترك بين طرفي الثنائي الشيعي.

التسوية هرباً من العقوبات؟

ويمكن اختصار موقف نصر الله بعبارة “التسوية”، لا سيما في دعوته القوى كلها إلى تنحية خلافاتها جانباً. كلمة التسوية كانت قد نطقت بها السفيرتان الأميركية والفرنسية. والأخيرة دعت إلى تشكيل حكومة مدعومة بموقف الرئيس إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي تواصل مع الرؤساء ميشال عون، نبيه برّي، وسعد الحريري، مشدداً على ضرورة تشكيل حكومة، ومحذراً من فرض عقوبات.

وعبارة التسوية كان وليد جنبلاط أول من أطلقها. وفي الحقيقة أن مبادرة الـ24 وزيراً مبادرته، وتبناها برّي وبدأ العمل عليها. وتلقى جنبلاط انتقادات كثيرة على خطوته في اتجاه بعبدا. لكنه أثبت أنه كان الأدق في تقديراته. وهو بذلك، إما استشرف المرحلة المقبلة، وإما أراد المبادرة لإرساء قواعد جديدة. وفي الحالتين، وبعيداً عن الانتقاد الموجّه لجنبلاط، ظهر أن القوى المحلية والخارجية تنشد التسوية.

فالحراك الدولي استمر فرنسياً. إذ تكشف المعلومات عن اتصالات أجراها الفرنسيون، بمسؤولين أميركيين، سعوديين، ومصريين، وقطريين، في سبيل بذل المزيد من الجهود لتذليل العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة. وفي هذا الإطار أعلنت الرئاسة الفرنسية أن اتصالاً أجري بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالأمير محمد بن سلمان، وجرى التداول في ضرورة تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات لإخراج لبنان من ازمته الحادة. وشدد بيان الرئاسة الفرنسية على أن ماكرون وبن سلمان يتشاركان الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات مصداقية، تشكيلها شرط لحشد مساعدة دولية طويلة الأمد.

استشراف جنبلاط

ولو لم يكن زعيم المختارة قد استشرف ذلك، وحتى لو جرى التسليم بوجهة نظر منتقديه على تغييره مواقفه، فإن موقفه استقطب مواقف مؤيدة: داخلياً، الحريري الذي أبدى مرونة نحو حكومة موسعة من دون ثلث معطل، ونصرالله في موقفه الأخير الجديد. وخارجياً، موقف السفيرة الأميركية، والضغط الفرنسي، والمباركة السعودية خطوة جنبلاط، وهي تمثلت بزيارة السفير السعودي المختارة، إضافة إلى سلسلة لقاءات مع سفراء عقدها رئيس الحزب الاشتراكي.

وما أن طرح جنبلاط مبادرته، حتى عمل السفراء على استيضاح مواقفه، فكان واضحاً: لا يتعلق الأمر بتغيير المواقف، بل الأحداث هي التي تتغير في المنطقة. ولا بد من تحصين الساحة الداخلية بتسوية. فلبنان بلد محكوم بالتسويات.

وحتى عندما عتب سفراء على جنبلاط وناقشوه في خطوته في اتجاه بعبدا، أو في موافقته على توسيع الحكومة، بادر إلى شرح وجهة نظره بإسهاب. وهذا ما دفع بعض المعترضين إلى تأييد صيغته المقترحة، كمخرج وحيد من الأزمة.

وما قام به جنبلاط، يشبه تماماً المساعي التي بذلها أيام تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام. فآنذاك نجح مع نبيه برّي في ترتيب الظروف المؤاتية لتشكيل الحكومة. وهو الذي اقترح يومها صيغة الـ24 وزيراً، من دون ثلث معطل. وقبل أيام من ولادة حكومة سلام، أجرى جولة مكوكية على المسؤولين، وخصوصاً على سلام وبرّي وحزب الله، فولدت الحكومة على إيقاع تفاوض إيراني-أميركي في سلطنة عمان يومها.

وفي تلك الفترة التقط جنبلاط اللحظة، وأنطلق من خلفياتها. واليوم كرر زعيم المختارة السيناريو نفسه، معتبراً أن الوضع في لبنان أخطر بكثير، ولا يمكن الانتظار أكثر. وهذا موقف مشترك بينه وبين مسؤولين محليين وديبلوماسيين.

في انتظار بعبدا

وتقول مصادر متابعة إن جنبلاط أطلق مبادرته متضمنة تفاصيل كاملة. وهو يتابعها شخصياً، أو من خلال الوزير السابق غازي العريضي، الذي يلتقي الرئيس نبيه برّي يومياً لإنضاج ظروف التسوية. وترفض مصادر قريبة من جنبلاط الإفصاح عن الكثير من تفاصيل المبادرة، لأن الوقت ليس للكلام المتروك إلى مرحلة لاحقة.

والإشارات الأولى للوقع الإيجابي للمبادرة المنسوجة بين جنبلاط وبرّي، هو موقف نصر الله الأخير، إضافة إلى العمل الحثيث الذي يقوم به برّي لإرساء التوافق على الصيغة.

وتقول المصادر إن هناك حركة جدية قد تفضي إلى ولادة الحكومة. ولكن الأمر ليس محسوماً بعد. وتفضل المصادر نفسها عدم إغداق التفاؤل. فقد يكون هناك الكثير من الحسابات المتناقضة. ولكن في النهاية ستولد الحكومة عاجلاً أم آجلاً، وفق هذه الصيغة.

وفي المعلومات، أن العمل جارٍ لوضع ضوابط وقواعد أساسية للحكومة: في السياسة، كما في الاقتصاد. وكذلك لرسم معالمها بلا تعارض مع شروط وتوجهات المجتمع الدولي في المرحلة الأولى. لتتركز المرحلة الثانية على آلية توزيع الحصص والحقائب والأسماء، وفقاً للصيغة التي أصبحت معروفة: حكومة من 24 وزيراً، لا ثلث معطلاً فيها، ورئيس الحكومة ونائبه بلا حقائب، و22 وزيراً اختصاصياً، ينال كل منهم حقيبته وفق اختصاصه. وحالياً التواصل مستمر مع بعبدا لمعرفة موقف رئيس الجمهورية ونيل موافقته.