“الراي الكويتية”:
أي مفارقةٍ أن يدخل لبنان غداً شهراً تحلّ في 13 منه الذكرى 46 للحرب الأهلية المشؤومة التي أقلعتْ رسمياً على متن «بوسطة عين الرمانة»، فيما البلادُ التي بالكاد «نجتْ» من اقتتال الـ 15 عاماً تُصارِع اليوم للإفلات من سيناريو سفينة «التايتانيك» التي يتصارع على سطحها الأطراف الوازنون على مسافة باتت قصيرة جداً من الارتطام المدمّر الذي يُنْذر بأن يغرق معه ما تبقى من لبنان الذي كان في السياسة والمال والاقتصاد والذي يُخشى أن تواكبه اضطرابات أمنية وربما ما هو أدهى.
ومع اقتراب لبنان من السيناريو الأسوأ الذي لن يكون ممكناً وقفه إلا بحكومةِ إنقاذٍ بمواصفاتِ المجتمع الدولي، يتصاعد خوف الخارج من الانهيار الجارف وتداعياته المتعددة الاتجاه، وهو ما استوجب في الفترة الأخيرة ضغطاً تَصاعُدياً تقوده باريس باسم الاتحاد الأوروبي، وتدفعه واشنطن من الخلف، للحؤول دون تحوُّل «بلاد الأرز» بؤرة فوضى «تفيض» في محيطها القريب والأبعد وخط توتر عالياً مربوطاً بمقتضيات ومآلات التفاوض الأميركي مع إيران حول النووي وملحقاته.
وإذا كانت آخر مظاهر هذا الضغط تجلّت في خلْعِ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، القفازات الديبلوماسية بكشفه أنه تحدث الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري مستنكراً الجمود الكامل بالملف الحكومي، وموجهاً ما يشبه «الإنذار الأخير»، بـ «أن التعطيل المتعمد يجب أن يتوقف فوراً»، ومنتقداً «مطالب متهوّرة ومن زمن آخر»، وموضحاً «حان الوقت لتكثيف الضغط لتحقيق» ولادة «حكومة كفؤة وجاهزة للعمل بجدية لتنفيذ الإصلاحات»، فإن ثمة انطباعاً يترسخّ أكثر فأكثر في بيروت بأن «الثقب العملاق» في الساحة السياسية صار أكبر من أي «عصا» دولية وبات كفيلاً بـ «ابتلاع» أي مبادرة داخلية أو خارجية بفعل التشابُك المستحكم بين الأبعاد المحلية للأزمة الحكومية وخلفياتها الإقليمية.
ورغم أن لودريان أعطى إشارةً واضحةً إلى أن «مرحلةَ الضغط» ستكون من ضمن مسار أوروبي وإقليمي ودولي، فإنّ أوساطاً مطلعة لا تُبْدي تفاؤلاً بإمكان أن يُفْضي أي تَشَدُّد خارجي ولو بالعقوبات على المعطّلين، الذين لم يعد خافياً مَن يُقصد بهم، إلى نتائج على صعيد تليين المواقف الداخلية في ظل اقتناعٍ بأن الأزمة المستحكمة يتحكّم بها اعتباران رئيسيان:
الأول ما بدأ يخرج الى العلن عن أن تصعيد عون بوجه الحريري هو في إطار محاولة «شطْب» تكليفه ودفْعه للاعتذار باعتبار أن استمراره على رأس الحكومة لن يسمح بتحقيق تطلعات حماية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وتحصين موقعه في الاستحقاق الرئاسي المقبل الذي ينطلق فيه وكأنه «حصان جريح» بفعل العقوبات الأميركية، بما يجعل الحكومة العتيدة بمثابة «ورقة فولاذية» لتقوية معركته لبلوغ «القصر» كوريث لعون، الذي صار وفق الأوساط نفسها، كما رئيس «التيار الحر»، يخوض المطاحنة الحكومية من زاوية من لم يعد لديه شيء ليخسره، وهو ما يجعله يتمسّك بالثلث المعطّل في مختلف صيغ التشكيلات من باب الإصرار على إخراج وزير «الطاشناق» من حصة رئيس الجمهورية.
والثاني وهو الأهمّ والمتمثل بـ «مسرح الظلّ» الذي تدور عليه الأحداث اللبنانية والمتمثّل بالحسابات الاستراتيجية لـ «حزب الله» الذي يستشعر وفق الأوساط عيْنها، بأن «الهجمة» الدولية بإزاء الواقع اللبناني تحت عنوان «إلا الانهيار المريع» تجعل من الاهتراء المتلاحق لهذا الواقع جسر استدراجٍ إضافياً للخارج لـ «الأخذ والردّ» مع إيران في «الملف الأم» (النووي) وتتماته على مسارح نفوذ أخرى، وذلك على غرار اندفاعات حلفاء طهران في الساحات الأخرى.
ولا تُخْفي هذه الأوساط أنه لا يمكن التكهّن انطلاقاً من ذلك بواقعية احتمال نجاح «حزب الله» بإرساء حلول للمأزق اللبناني، في توقيت يناسبه، توفّق بين بقائه ممسكاً بمفاصل السلطة (بقوة غالبيته النيابية وربما لاحقاً بتوازنات جديدة في النظام)، وبين الحاجة إلى الخارج للإنقاذ المالي – الاقتصادي، ولا بإمكان حصول تسليم دولي وعربي بهذا الأمر.