كتب منير الربيع في صحيفة “المدن” تحت عنوان “الحكومة شبه ساقطة: انطباع دولي سلبي.. وعقوبات أميركية جديدة”: “الخلافات التي حضرت على طاولة مجلس الوزراء، في اجتماع الاتفاق على البيان الوزاري، اندلعت حول ملف الكهرباء. وهي ستتزايد وتتوسع بين أركان الحكومة، وستشمل ملفات متعددة، لن يكون آخرها الخلاف على تسديد استحقاق لبنان لسندات اليوروبوندز بالعملات الأجنبية في الشهر المقبل.
انطباع دولي سلبي
لم يقدّم البيان الوزاري ما يُرتجى منه عند القوى التي عملت على تشكيل الحكومة. وتجلّى آخرها في بيان كتلة الوفاء للمقاومة، التي اعتبرت أن الطريقة التي تشكلت فيها الحكومة والعناوين التي تحملها لا تبدو قادرة على معالجة المشاكل والخروج من الأزمة. وحتى الموقف الدولي والسفراء الذين اجتمعوا برئيس الحكومة حسان دياب، لم يخرجوا بأي انطباع إيجابي.
التوصيف الديبلوماسي للبيان الوزاري، والأداء المتوقع للحكومة، لا يوحيان بأي تقدير إيجابي لدى الخارج. في اجتماع الجمعة، طلب دياب من سفراء مجموعة الدعم الدولية الحصول على مساعدات لإنقاذ لبنان من انهيار محتّم. الرجل بدأ ينظر بواقعية إلى واقع الأزمة! ويشير في مجالسه إلى أن هناك صعوبات كثيرة ستواجهه مع حكومته. ولن يكون من السهل تجاوز المخاطر التي تبدو في طور الإزدياد. كان يُتوقع مع ولادة الحكومة أن تعطى انطباعات إيجابية تمنح بعض الإرتياح للبنان، لكن العكس هو الذي حصل.
توقف السفراء أمام خطة الكهرباء المستعادة من الحكومة السابقة، وبنوا وجهة نظر أن ليس هناك ما يشير إلى جدية في التعاطي مع الاستحقاقات الداهمة، والتي توجب تغييراً جذرياً في الخطة الموضوعة. وهذا لم يحصل. كما أنهم لم يسمعوا من رئيس الحكومة أي كلام جدّي أو واضح حول خطّة مكتملة العناصر لمواكبة الأزمة. هذا من الناحية التقنية، وبمعزل عن الوضع السياسي، الذي يبدو بعيداً جداً عن متناول مختلف الأفرقاء. مع الإشارة إلى أن الأزمة في عمقها سياسية قبل أن تكون تقنية أو مالية. ولذلك فإن الوضع سيذهب أكثر نحو السوء والتدهور، بلا أي إجراءات تتمكن من لجمه.
“الثقة” بشق الأنفس
وإلى جانب هذه الخلافات التقنية، هناك خلاف أساسي داخل بنية الفريق الواحد قبيل جلسة الثقة. رئيس الجمهورية وفريقه مصممون على العمل بكل الأساليب لتأمين انعقاد جلسة الثقة، ومنع حصول أي محاولة لقطع الطرقات على النواب. يقف حزب الله إلى جانب رئيس الجمهورية في هذا المجال. ولذلك عقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعه ووجه عون أوامره بضرورة منع أي تحركات من شأنها أن تؤثر على مجريات الجلسة. وقد اتخذ عون موقفاً واضحاً وجازماً بضرورة إنهاء التحركات ووقفها. خصوصاً أن هناك حسابات دقيقة تتعلق بجلسة الثقة على صعيد الأصوات التي ستحصل عليها الحكومة.
نال دياب عند تكليفه 69 صوتاً. وبحال كان حضور النواب كاملاً في الجلسة، أي 128 نائباً، ستكون الحكومة بحاجة إلى 65 صوتاً لتنال ثقة المجلس وتصبح حكومة أصيلة. من الـ69 الذين سموا دياب، هناك ثلاث نواب للحزب السوري القومي الإجتماعي يتجهون إلى عدم إعطاء الثقة، وكذلك بالنسبة إلى النائب جهاد الصمد، وهناك نائبان قد لا يتمكنان من حضور الجلسة بسبب وضعهما الصحي، هما فايز غصن ومصطفى الحسيني. في المقابل، إذا ما حضر نواب المعارضة بكامل عديدهم، وحجبوا الثقة عن الحكومة، فسيكون العدد الذي ستناله الحكومة هو 63 أي أنها لن تحصل على الثقة. هنا يعمل حزب الله بكل قوته لتأمين نيل الثقة، وهو تواصل مع سعد الحريري ووليد جنبلاط، في سبيل تسهيل ذلك. لكن الرجلين لن يمنحا الثقة للحكومة، مقابل تعهد بعدم وضع عراقيل أساسية أمامها وتسهيل نيلها الثقة من خلال غياب عدد من النواب عن الجلسة، فينخفض الرقم الذي تحتاجه الحكومة لتحظى بالثقة، لأن الاحتساب يكون على أساس الحاضرين داخل القاعة العامة.
العقوبات الجديدة
هذا وتستمر الخلافات أيضاً على ملف تسديد ديون لبنان المستحقة. فبينما عمل حزب الله على إقناع الرئيس نبيه بري لعدم دفعها، من دون إغفال حقيقة أياً كان القرار الذي سيتخذ من قبل الحكومة، سواء لجهة الدفع أو عدمه، فإن لبنان سيكون أمام مخاطر كبيرة. إذا ما تم الدفع سيؤدي ذلك إلى فقدان المزيد احتياط الدولار. وبحال التخلف عن الدفع، سيكون تصنيف لبنان قاسياً، وسيترسخ انعدام الثقة وانطباع الإفلاس. وإلى جانب الإجراءات الإصلاحية القاسية التي يفرضها المجتمع الدولي على الحكومة اللبنانية لاتخاذها، هناك شروط من نوع آخر ذات طابع سياسي، لا تنفصل عن شروط صندوق النقد والبنك الدوليين، والتي لا يوافق حزب الله على الرضوخ لها. ما يعني أن الضغوط ستزداد أكثر والوضع المالي سيكون أمام مزيد من الانهيار بلا أي قدرة سياسية أو حكومية على مواكبة الأزمة.
وهنا تشير المصادر إلى أن العقوبات الأميركية ستستمر وستصدر لائحة جديدة في المرحلة المقبلة. والضغوط لن تخف، بل ستتزايد. وفيما كان هناك معطيات تفيد باستعداد ديفيد شينكر لزيارة لبنان بعد نيل الحكومة الثقة، عادت المعطيات وأفادت بأن الرجل تراجع عن الزيارة كي لا تفهم بأنها منح غطاء للحكومة. وبانتظار ما يمكن أن تقدّمه هذه الحكومة، يمكن أن يفتح عندها الباب أمام تواصل متجدد”.