أولى ضحايا الرياضة اللبنانية تخرج من الظلمة

كانت بطولة لبنان لكرة السلة الأهم في الشرق الأوسط وربما العالم العربي (أرشيف)
عند بدء التحركات الشعبية في 17 تشرين الأول 2019، كانت كرة السلة أول ضحية بين الرياضات اللبنانية، فاختفت عن الساحة لفترةٍ طويلة، وبحثت عن طريق عودةٍ لن تكون كسابقاتها

بعد تأجيلٍ متواصلٍ لموعد عودتها بعد غيابٍ لحوالى سنة ونصف، يُفترض أن تنطلق بطولة لبنان لكرة السلة يوم الجمعة بعدما أصدر الاتحاد اللبناني للعبة أخيراً جدول المباريات.
بطولةٌ لن تكون كسابقاتها أبداً، وهذا ما يتفق عليه الجميع بفعل الظروف المختلفة التي ظلمتها وأصابتها مباشرةً وأثّرت عليها سلباً، إذ بعدما كانت بطولة لبنان لكرة السلة الأهم في الشرق الأوسط وربما العالم العربي، تراجعت سنواتٍ عديدة الى الوراء بسرعةٍ قياسية، وذلك في ظل إغلاق أبواب الملاعب أوّلاً، ومن ثم في ظل غياب العامل الأبرز الذي صنع قوّتها وهو المال، وثالثاً بسبب تفشي وباء «كورونا» الذي عطّل عودتها مراتٍ عدة وأبعد جمهورها عنها.
والأكيد أن عنصر المال هو الأهم في هذه المعادلة ويرخي بظلاله على الموسم الجديد، إذ أن بطولة لبنان لكرة السلة تمكنت بفضل الرواتب العالية التي منحتها الأندية للاعبيها، من الحفاظ على نجومها، وإضافة إليهم أفضل الأجانب الذين يزورون المنطقة، لا بل حتى إن بعضهم برز بعدها في أوروبا ومن ثم في الدوري الأميركي للمحترفين بعدما اعتبر البطولة اللبنانية جسر عبور إلى النجومية.
جزءٌ كبير من هذه النقاط ستغيب في البطولة المزمع انطلاقها يوم غدٍ، إذ يغيب عددٌ من لا بأس به من نجومها الذين هجروا الوطن أو اللعبة أو بقي بعضهم في أجوائها لكن ضمن بطولةٍ عربية أخرى.
لكن ماذا يمكن أن نتوقّعه من بطولة لبنان؟
الواقع أن أي كلامٍ بخصوص المستوى العام لا يجب أن يشمل الموسم كاملاً في هذه المرحلة المبكرة، لكن ما يتفق عليه المراقبون ومن خلال بعض المباريات الوديّة التي اقيمت في الاسابيع القريبة الماضية، سيكون المستوى الفني ضعيفاً في بداية البطولة، وهي مسألة لا يتحمّل مسؤوليتها أحد بل الظروف القسرية التي حتّمت غياباً طويلاً للاعبين عن المباريات والتمارين وابتعادهم بالتالي عن المنافسات بعدما اعتادوا على لعب مباراتين رسميتين أو أكثر في أسبوعٍ واحد، ما يعني أنهم سيحتاجون إلى بعض الوقت للدخول في أجواء اللعبة من جديد.
وعن التنافس يمكن القول إن البطولة ستشكّل تجربةً جديدة في غياب اللاعبين الأجانب الذين وصل عددهم إلى ثلاثة على أرض الملعب في مواسم خلت، ما رفع من سقف التحدي بين الفرق، وزاد من الاستعراض الذي يضفي متعةً على الأجواء التنافسية التي اعتاد عليها جمهور اللعبة حيث بدت كل الفرق في مستوى متقارب في فترةٍ من الفترات، ما جعل عملية توقّع هوية الفائز في أي مواجهة مسألة غير سهلة.
وعند نقطة الأجانب يجب التوقّف، حيث يؤمل أن تتمّ إعادة النظر بمسألة وجود لاعبٍ أجنبي أقلّه في المراحل النهائية، إذ أن هذه المسألة من شأنها أن ترفع من مستوى اللاعب المحلي ومن المستوى العام أيضاً، فالتجربة الأردنية على هذا الصعيد كانت خير دليل، إذ عندما غاب الأجانب هبط مستوى الفرق المحلية ومعها المنتخب الوطني. وهنا لا ضير من القول إن هذه الحاجة يمكن للفرق التي ستبلغ «الفاينال فور» أن تسدّها من خلال استقدام أجنبي بسعرٍ ومستوى مقبول يقارب الـ 3000 دولار اميركي شهرياً مثلاً، وذلك بعد هبوط الأسعار في الأسواق المجاورة حيث انتقل نجوم لبنانيون أيضاً بمبالغ لا تتجاوز نصف عقودهم السابقة مع الفرق اللبنانية.

يتفق المراقبون على أن المستوى الفني سيكون ضعيفاً في بداية بطولة لبنان لكرة السلة

بطولة العودة إلى الحياة (ستقام بنظام الدوري من ذهاب وإياب ومن ثم المربع الذهبي وبعدها النهائي) التي تشارك فيها 10 فرق هي الرياضي، الحكمة، الشانفيل، أطلس، هوبس، بيبلوس، بيروت، أنيبال زحلة، هومنتمن والمتحد طرابلس، ستفتقد فعلاً إلى نجومٍ مثل وائل عرقجي، كريم عزّ الدين، علي حيدر، جوزف الشرتوني، وغيرهم من المميزين الذين أصبحوا مع أبرز المدربين خارج لبنان، ومنهم قد يلتحق بفريقه في مراحل لاحقة ومنهم من سيغيب عنها. وهذا المشهد سيقدّم فرقاً من دون نجومٍ وبلاعبين ليس لديهم خبرة أو تجربة طويلة في الدرجة الأولى، ما قد يفرز فوارق فنية واضحة في بعض المباريات.
لكن الجانب الإيجابي في هذا الإطار هو أن بعض الشبان سيأخذون دوراً على أرض الملعب، وستتمكن بعض الأندية التي يصحّ القول إنها تشارك كـ«رفع عتب» أن تؤسس وتنطلق من النقطة الصفر بعدما أرهقها التضخم الذي أصاب اللعبة في الأعوام الماضية، ولو أن هناك رأياً يقول بأن تقلّص عدد الأندية هذا الموسم إلى 5 فرق مثلاً كان ليعتبر أمراً مفيداً لأنه سيجمع أكبر عدد من اللاعبين المميزين في عددٍ قليل من الفرق، وبالتالي فإن هذه المسألة ستفرز مستوى تنافسياً أفضل.
صحيح أن بطولة لبنان لكرة السلة تعود بالحدّ الأدنى مقارنةً بالماضي القريب، ولا يفترض أن تُرسم حولها توقعات كبيرة، لكن هذه العودة هي أكثر من جيّدة لعدم فقدان المزيد من اللاعبين الذين ينوون ترك الساحة، ولمواصلة عملية التطوير اللعبة من خلال إبقاء الجيل الجديد ضمن عائلتها وعدم تحوّله إلى رياضةٍ أخرى، إضافةً إلى أن صورة وسمعة اللعبة هي أكثر من مهمة، ما يعني أن الهدف الرئيس للجميع يجب أن يتمحور حول التركيز على النقاط الإيجابية الكفيلة بإعادة المستديرة البرتقالية تباعاً إلى قيمتها الفعلية وحياتها الطبيعية.

المصدر : الأخبار