جمهورية الكآبة اللبنانية: “الشعب يريد” علاجاً نفسياً!

كتبت رحيل دندش في “الأخبار”:

في وقت يتقاتل اللبنانيون للحصول على مواد غذائية مدعومة، يبدو الحديث عن العلاج النفسي بمثابة العيش في «لالا لاند»، إذ من يفكّر في الاهتمام بصحته النفسية وهو بالكاد قادر على تحصيل قوت يومه ودوائه!

«لا يوجد لبناني اليوم لا يمرّ بضغط نفسي وحالة من الضياع والقلق والخوف من المستقبل، خصوصاً أنه ما أن يحاول التكيّف مع وضع معيّن حتى تستجدّ أوضاع أكثر صعوبة»، بحسب الأستاذ الجامعي المتخصص في التحليل النفسي أنطوان الشرتوني.
تتالي النكبات، بدءاً من الانهيار الاقتصادي أواخر 2019 وظهور جائحة كورونا والحجر المنزلي الذي رافقها وانفجار مرفأ بيروت وأخيراً التدهور الكبير في سعر الليرة، كل ذلك يُنتج خسائر على المستوى النفسي، من ارتفاع معدلات الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والقلق المزمن والميول الانتحارية وغيرها من الاضطرابات التي تتُرجم في «الحزن والقلق الخوف من الموت والانفعال السريع والتعب المزمن واضطرابات الغذاء والأرق وآلام نفسية وجسدية غير محددة المنشأ وعنف أسري ومجتمعي»، وفق نائبة رئيسة نقابة المعالجين والمحللين النفسانيين ريتا الشباب، «في مجتمع مضطرب أساساً بسبب مروره بحروب وتقلّبات سياسية عاصفة ومتوترة في العقدين الأخيرين». إذ «قد يكون كثيرون اليوم يرزحون تحت آلام نفسية نتيجة اضطرابات حدثت في الماضي، وآخرون كانت لديهم استعدادات كامنة للاضطرابات النفسية أيقظتها الظروف الحالية، وهناك من تظهر لديهم المشاكل في «المناسبات» كـ«المناسبة» التي يمر بها البلد حالياً.
هذه الوقائع تعني أن عدداً كبيراً من اللبنانيين باتوا يحتاجون إلى متابعة نفسية، خصوصاً الصغار والمراهقين. تترتب على ذلك حاجة ماسّة إلى طلب المساعدة النفسية من أهل الاختصاص. إذ يعمل العلاج النفسي، تقول الشباب، على «تنمية قدرة الإنسان على التحمل واستيعاب الوضع وركلجة مخاوفه وصولاً إلى نوع من السيطرة والتعامل الملائم مع الظروف».

لكن لهذه المساعدة مقابلاً خارج قدرة كثيرين على الوصول إليه بسبب الضغوط الاقتصادية التي بدّلت أولوياتهم. قبل الانهيار، كانت كلفة جلسة العلاج النفسي تراوح بين 50 دولاراً و100 دولار، وهي كلفة مرتفعة في قطاع يعاني من غياب القوننة، ولا تخضع فيه التعرفة للضبط من وزارة الصحة ولا لتغطية الضمان الصحي حتى ولو كان العلاج موصى به من طبيب نفسي. اليوم، بفعل الظروف الراهنة، باتت كلفة الجلسة تراوح بين 50 ألف ليرة ومئة ألف، وترتفع هذه الفاتورة عند بعض المعالجين إلى 300 ألف ليرة للجلسة الواحدة. في وقت تراجع الإقبال على العلاج حتى ممن كانوا يتابعون سابقاً جلسات منتظمة بتوصية من أطباء نفسيين. وتؤكد الشباب أن لا صلاحية للنقابة في ضبط سقف التعرفة وتحديدها، لافتة إلى «مساعٍ تبذلها النقابة لدى الضمان الاجتماعي لتغطية ولو عدد محدد من الجلسات». فيما يؤكد الشرتوني أن كثيراً من المعالجين «تحسّسوا مع الناس عبر خفض الكلفة، ومنهم من يقدّم خدماته مجاناً. كما أن بعض الجمعيات ومنها نقابة المعالجين والمحللين النفسانيين تقدم جلسات علاجية واستشارية مجانية»، مشدداً على ضرورة التوعية حول ضرورة طلب المساعدة، وعدم الخجل من ذلك، بدل اللجوء إلى المهدئات التي زاد الطلب عليها بشكل كبير أخيراً. إذ الألم النفسي قد يكون أشد من الألم الجسدي، ويحمل خطورة أكبر، وقد يؤدي إلى استحالة مزاولة شؤون الحياة على الصعيد الفردي والعائلي والاجتماعي، وربما يؤدي تفاقم الحالات إلى الانتحار وأذى الغير والنفس.