8 مليارات دولار أتت باسم النازحين السوريين وهذا عددهم في لبنان

كتبت “الاخبار”: منذ عام 2011، ولغاية اليوم، استقبل لبنان تحويلات مالية من الخارج مخصّصة للنازحين السوريين بقيمة 7.9 مليارات دولار، أي ما يوازي 67.4% من تحويلات حساب رأس المال، و29.8% من صافي تحويلات المغتربين اللبنانيين الوافدة في الفترة نفسها. طبعاً، يترتّب على وجود هؤلاء السوريين في لبنان كلفة مرتبطة باستهلاك سلع مستوردة صارت اليوم مدعومة بالدولارات القليلة الباقية التي يملكها مصرف لبنان، لكن هذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن هذه التحويلات لم تتحوّل مع الوقت إلى عامل تغذية للنظام المالي، ولا يعني أيضاً أن قوى السلطة لجات دائماً إلى استغلال نزوحهم إلى لبنان من أجل تسوّل المزيد من الدولارات، لكنها لا تزال عاجزة عن اتخاذ قرار بشأن التعامل معهم.

يقول البنك الدولي في ورقة عمل أعدّت بعنوان «تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي للأزمة السورية في لبنان» إن كلفة النازحين السوريين على الخزينة اللبنانية بلغت في الأعوام ما بين 2012 و2014 نحو 1.1 مليار دولار. في الفترة نفسها، جرى تحويل أكثر من 1.7 مليار دولار مساعدات لهؤلاء النازحين. في الواقع، كانت الحكومة اللبنانية تتعامل مع وجود النازحين السوريين باعتباره عبئاً كبيراً ألقي على عاتقها. استعمل هذا الأمر في مفاصل كثيرة من أجل تسوّل الدولارات، وخصوصاً أنه في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ 2016، بدأت تلوح في الأفق أزمة مالية بعدما اضطر مصرف لبنان إلى أن يعزّز موجوداته بالعملات الأجنبية من خلال «الهندسات» السيئة الذكر.
لبنان لم يتبلّغ..
واشنطن تطالب زعماء لبنان بـ”العمل من أجل مصالح شعبهم”.. وهل يمارس بايدن ضغوطاً؟
في السنوات الماضية، لم يوفّر لبنان فرصة من أجل تسوّل الدولارات على حساب السوريين. مشاريع التعليم، مشاريع الطبابة، المساعدات المباشرة عبر البطاقات التموينية… نفذ الكثير من المشاريع في لبنان عبر مفوضية اللاجئين، وجهات أخرى، لكن النظرة العامة للنازحين كانت دائماً تتّسم بشوفينيّة لبنانية غير مبرّرة. لكن الواقع، أن لبنان، وبخلاف هذه التحويلات، وانخراط السوريين في العمل المحلّي والاستهلاك، لم يستفد الاقتصاد اللبناني من الوجود السوري بشكل فعّال. فالاستثمارات الصناعية السورية الهاربة لم تستطع أن تجد ملاذاً آمناً لها في السوق اللبنانية، فحرم قطاع الصناعة من فرصة تطوير بعض الصناعات، وحُرم ميزان المدفوعات من فرصة دخول استثمارات جديدة، وتحوّلت العمالة السورية الآتية حديثاً، وهي عمالة ماهرة نسبياً ويمكنها أن تنافس بعض الوظائف اللبنانية، إلى عمالة منافسة ترتّب أعباء وضغوطاً أكبر على السوق المحلية.

يمثّل النازحون السوريون في لبنان نحو 1.4 مليون شخص، أي نحو ربع عدد المقيمين، ورغم أنهم رفعوا معدلات الاستهلاك والإنتاج، ورغم التدفقات المالية التي أتت إلى لبنان باسمهم، إلا أن الاقتصاد اللبناني لم ينمُ سنوياً بأكثر من نسبة 1% إلى 2%، بحسب شربل نحاس في كتابه «اقتصاد ودولة للبنان». ويعزو هذه الزيادة الطفيفة، بشكل رئيسي إلى زيادة الاستهلاك الخاص بنسبة 18.2% خلال الفترة الممتدة بين 2012 و2017، وكذلك زيادة استيراد السلع بنسبة 14.7%، لكن انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 12% في المتوسط. النصيب الأكبر من الانخفاض كان للنازحين السوريين وباقي الفقراء اللبنانيين والجنسيات الأخرى.

إذاً، اليوم أين يصنّف السوريون في لبنان؟ القسم الأكبر منهم يصنّفون فقراء، مثلهم مثل كل اللبنانيين الذين وقعوا في بطن الفقر بعدما انهارت مداخيلهم وسطت المصارف على مدّخراتهم. قد يكون السوريون سبّاقين في النزول نحو الفقر، والفقر الغذائي. فهم أصلاً أنفقوا مدّخراتهم في الانتقال والاستقرار في لبنان. صرفوا هذه المدّخرات المادية، وتلك غير المادية مثل الذهب وسواه. كل ذلك كان يحصل على مدى السنوات الماضية. أما الوضع في سوريا فهو ليس أفضل حالاً. بحسب نحاس: «الوضع الاقتصادي في سوريا، فضلاً عن المشاكل الأمنية والسياسية، ليس أفضل منه في لبنان. كان تدهور سعر صرف الليرة السورية، وتعثّر توفير المواد الأساسية في سوريا موازيين ومتزامنين مع ما حدث في لبنان، ما يدلّ على التداخل الفعلي بين النظامين الماليين». باختصار، سيكون للنازحين السوريين دوافع أقلّ للعودة إلى سوريا إذا استمرّوا في تلقّي المساعدات «الإنسانية» من الخارج. بمعنى آخر، إن وجود النازحين السوريين في لبنان، حالياً، هو «نعمة»، وهروبهم سيزيد النقص في تمويل السوق بالدولارات الحقيقية الآتية من الخارج لنغرق أكثر في “الجحيم”.