يعيش لبنان كل يوم أزمة جديدة بفعل خلافات زعمائه وسياسييه، فكل على حدة يسعى بكل ما أوتي من قوة عسكرية ــ وغير عسكرية ــ للسيطرة إما على مقاليد الحكم أو جزء منه، فى ظل غضب شعبي وأزمة اقتصادية خانقة حيث وصل معدل التضخم في البلاد.
وسط هذه الظروف والتحديات التى تحيط بلبنان البلد المهم فى المنطقة والعالم، أجرى «الأهرام» حوارا مع سامي الجميل رئيس حزب الكتائب اللبنانية، بصفته أحد أقطاب المعارضة اللبنانية.
إلى ماذا تشير الانقسامات بين الأحزاب اللبنانية في وقت يحتاج فيه البلد إلى عملية لم الشمل؟
هذه الانقسامات على مستويين: الأول هو الانقسام بين أكثرية الشعب اللبنانى من جهة وبين المنظومة السياسية الاقتصادية الأمنية التي تمسك بالسلطة والمؤسسات الدستورية والشرعية وبقرارات لبنان السيادية وغير السيادية من جهة ثانية. وسببه الهوة الساحقة التي تفصل بين أداء المنظومة وبين مصالح الشعب اللبناني الحيوية وتطلعاته المستقبلية وحقوقه السياسية والمعيشية.
المستوى الثاني هو الانقسامات داخل المنظومة نفسها، وهذه الانقسامات سببها خلاف على تقاسم السلطة والمحاصصة والصفقات، ولا علاقة لها بالتنافس لتحقيق مطالب الشعب اللبناني أو باختلاف المشاريع والتصورات التنموية أو الإصلاحية أو الخدماتية أو الاقتصادية. الصراع الدائر بين أركان المنظومة يتركز على الأحجام الوزارية والنيابية والإدارية، وحول موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومن يتولاهما، والمواقع داخل منظومة السلطة يتم على هذه الأسس.
لبنان يحتاج فعلاً إلى عملية لمّ للشمل، لكن هذه العملية يجب أن تقوم على أسس ومفاهيم مختلفة للعمل السياسي عما يتبعه أركان المنظومة. فما هو قائم اليوم هو صفقات وتسويات وتوزيع مناصب، فى حين أن المطلوب لم للشمل وفقا للمفهوم الديمقراطي الصحيح لإعادة إنتاج السلطة ودورية الانتخابات وسيادة الدولة اللبنانية وتطبيق الدستور والقوانين المحلية والدولية.
هل تعتقد أن هناك حاجة لإعادة صياغة اتفاق جديد؟
لحزب الكتائب نظرته الشاملة إلى الإصلاح السياسي. وهي تحمل مشروعا واضحا فى هذا المجال، لأنها تعتبر أن ما هو قائم لم ينجح فى بناء الدولة التى تحاكي تطلعات الشعب اللبناني. وتعتبر أنه من الضرورة بمكان أن يتفق اللبنانيون على الأسس المطلوبة لحكم رشيد ودورة دستورية وديمقراطية طبيعية، وإدارة شفافة، ومؤسسات قضائية واقتصادية ومالية فاعلة وحضارية، ولكن كل هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق فى ظل غياب الأساسيات والبديهيات والمسلمات المتمثلة في الحرية والسيادة والاستقلال. مشكلتنا اليوم أن هناك تحالفاً بين السلاح غير الشرعي والمنظومة الحاكمة معروف للجميع على قاعدة تغطية المشاريع الخارجية ومصادرة القرارات السيادية من قبل السلاح فى مقابل شبكة معقدة وعميقة من أعمال نهب الدولة والشعب. ولذلك فنحن نعتبر أن المدخل لأي إصلاح سياسي وتغيير بنيوي فى السلطة يكون بتأمين الأجواء الديمقراطية والحريات المطلوبة لكي يتمكن الشعب اللبناني من انتخاب سلطة تشريعية تمثله فعلاً وتعمل لمستقبله، ومن هذه السلطة تنبثق السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة وبرئيس للجمهورية يتوليان العمل على الإصلاح السياسي الذى يجب أن يقوم على قاعدة التفاهم الحر بين اللبنانيين من خلال الآليات الدستورية الطبيعية والصحيحة، لا من خلال أمور يفرضها السلاح غير الشرعي كأمر واقع، وتبصم عليها المؤسسات الدستورية فى إطار صفقة جديدة كالتي حصلت في انتخابات الرئاسة عام 2016 أو في قانون الانتخاب الأخير والانتخابات النيابية لعام 2018 والتركيبات الحكومية السابقة واللاحقة.
من أعاق تنفيذ المبادرة الفرنسية ولماذا؟
المبادرة الفرنسية أعاقت نفسها، خاصة أنها استبعدت ــ منذ اللحظات الأولى ــ الانتخابات النيابية المبكرة بعد ضغوطات حزب الله، رغم أنها انطلقت من ضرورة إجراء هذه الانتخابات كأساس من أسس الحل. فبمجرد خروجها عن الأسس الحقيقية المطلوبة للحل، أوقعت المبادرة الفرنسية نفسها في لعبة المنظومة التي تتحكم بالسلطة وتحولت إلى نوع من الغطاء لأدائهم المعروف القائم على المحاصصة والأحجام وتقاسم المواقع.
المبادرة الفرنسية انطلقت كمبادرة سياسية اقتصادية إنقاذية شاملة، لكنها تحوّلت بفعل إفراغها من مضمونها إلى مبادرة تعالج بعض التفاصيل التقنية بمعزل عن جوهر الحل.
المصدر : صحيفة الإهرام