بالأمس القريب جلس رئيس الحكومة، التي لم تنل الثقة بعد، وحيدًا في المكان المخصّص للوزراء، في مواجهة نواب تيار “المستقبل“، الذين أجتمعوا في “بيت الوسط” قبل أن يقرروا حضور جلسة الموازنة، وكلفوا النائب سمير الجسر طرح عدم دستورية جلسة الموازنة، وقد سقطت بالضربة القاضية التي وجهها إليهم الرئيس نبيه بري، الذي إستنجد بالدستور وبالأعراف لإثبات نظريته
وعندما سقطت الخطة “ألف” إنتقل الجسر إلى الخطة “باء”، وقد سانده فيها النائب محمد الحجار والنائبة بهية الحريري، عندما طالبوا بموقف علني من الرئيس حسّان دياب حول تبنيّه الموازنة وإلباسه ثوبًا على غير قياسه. تدّخل الرئيس بري مرّة جديدة لتأمين غطاء لدياب، لكنه تراجع عند الإصرار “المستقبلي” على إنتزاع موقف من رئيس حكومة تصريف الأعمال، الذي وجد نفسه محشورًا في الزاوية، فقال ما قاله.
فهل حقّق “المستقبل” الغاية من حضوره الجلسة، وهل كان الثمن موازيًا لثمن تأمينه النصاب لجلسة أعتبرها غير دستورية؟
بعض المتابعين يقولون أن تيار “المستقبل” نجح في رمي الكرة في ملعب دياب، الذي وجد نفسه وحيدًا ومحاصرًا، ولم يكن لديه خيار آخر غير الموقف الذي أعلنه، والذي تبنّى به موازنة على غير مقاسه، مع إحتفاظه بحق تقديم مشاريع قوانين إلى مجلس النواب، التي يمكن أن تصّوب بوصلته عندما يجد نفسه مع حكومته في مواجهة أزمة ليست من صنع يديه، وهو غير مسؤول عن مسبباتها. ولكن بمجرد تبنّيه الموازنة الماثلة أمامه أصبح في حكم المسؤول عمّا ستؤول إليه نتائج هذه الموازنة وإنعكاساتها السلبية على الواقع المرير الذي يعيشه لبنان، والمتدرج نحو المزيد من التعثر والتأزم.
ويعترف المتابعون بأن “المستقبل” نجح في ما ذهب إليه وأوقع دياب في فخ الموازنة الملغومة والقابلة للإنفجار في أي لحظة، وبذلك يكون “المستقبل” قد أراح ضميره من عبء مسؤولية تحمّل نتائج هذه الموازنة غير المتطابقة مع واقع ما بعد 17 أكتوبر.
في المقابل يعتبر مقربون من دياب أن الموقف الذي إتخذه، في غفلة من الزمن، جاء محصّنًا في الكلمة التي سبقت حشره في زاوية التبنّي، وهو الذي إحتفظ في حق حكومته باللجوء إلى مشاريع قوانين حيث تدعو الحاجة لتصويب ما يمكن تصويبه في موازنة موضوعة لغير زمانه.
أيًّا يكن الرابح أو الخاسر في معركة شدّ الحبال، وما يمكن أن ينتج عنها سياسيًا، فإن ثمة مشهدًا لم يكن بعيدًا عن جلسة تسجيل النقاط في مرمي الفريقين سوى أمتار قليلة، حيث وقف المتظاهرون من كل الفئات الشعبية يصرخون بالصوت العالي “لا لطبقة سياسية أوصلت البلد إلى الفقر والجوع”، وقد تحدّوا الإجراءات الأمنية غير المسبوقة بوقوفهم في الساحات رافعين علامات النصر، حتى وهم يتعرّضون للضرب.
مشهد من خارج الإصطفافات السياسية والحزبية والطائفية يقول بأن لا أحد رابحًا في معركة الهوامش، لأن المعركة الحقيقية هي في غير مكان، وهي معركة الحق ضد الباطل، ومعركة ضد الفساد والمفسدين، ومعركة إستعادة الوكالة والذهاب إلى معركة الإنتخابات المبكرة على أساس قانون غير مخيط على مقاسات الطبقة السياسية، التي تجدّد نفسها بنفسها كل أربع سنوات.المصدر: خاص “لبنان 24”