كتب أنطون الفتى في “أخبار اليوم”:
قد تكون الاستراتيجية الفُضلى للخروج من المأزق الحالي، هي تقبُّل بعض الأطراف البدء بتغيير طريقها، انطلاقاً من مبدأ “خسارة أقلّ”.
فالإفراط في الحديث عن حقوق المسيحيين واستعادتها، بات مؤذياً جدّاً، للمسيحيّين أوّلاً، على أكثر من مستوى.
فعلى سبيل المثال، لو التزم “التيار الوطني الحرّ”، بالشّروط الدولية التي رافقت المبادرة الفرنسية، مع الدّيبلوماسي مصطفى أديب منذ أواخر الصّيف الفائت، لكان وضعه (“التيار”) أفضل من أن يُضطَّر الى قبولها مُكرَهاً مع الرئيس المكلَّف سعد الحريري، بعد مراحل من البرودة حيناً، والتوتّرات في بعض المراحل، بين الحريري ورئيس “التيار” النائب جبران باسيل، منذ تشرين الأول عام 2019.
فهذا القبول القسري، سيكون انكساراً في مكان ما، حتى ولو رُفِضَ الإستثمار به، بعد عودة المياه الى مجاريها بين الطرفَيْن مستقبلاً، والتي ستعود عاجلاً أم آجلاً.
مثال آخر نذكره أيضاً، وهو لو أن “التيار الوطني” يعترف بضرورة الإعلان عن “تجميد” ورقة “التفاهُم” بينه وبين حليفه “حزب الله” لمدّة من الزّمن، ريثما يُتَّفَق على أمر واحد وأساسي بينهما، هو بدء تطبيق بعض الضّرورات “السيادية”، بدلاً من الغَوْص “المطّاط” في مراجعة الأوراق، لكان وضعه (“التيار”)، ووضع المسيحيين، أفضل حتماً.
فعن أي مراجعة يتحدّث “التيار” مع “الحزب”، بعدما تغيّرت ظروف “ورقة التفاهُم” جذرياً؟
فهي وُقِّعَت في شباط عام 2006، أي قبل أشهر من اندلاع “حرب تموز”، التي شكّلت المنعطف الاستراتيجي الأساسي في مشوار “الحزب” المحلي والإقليمي، الذي استُتبِع بالمشاركة في الحرب السورية بعد سنوات. فضلاً عن أدواره (“الحزب”) في ساحات أخرى، بحسب أكثر من معطى دولي. وهذا يعني أن ما لم يحصل عليه “الوطني الحرّ” من “حزب الله” بين شباط وتموز 2006، وبين عامَي 2006 و2012، وبين 2012 و2020، لن يتمكّن من نَيْله في عام 2021.
وانطلاقاً ممّا سبق، أما حان وقت الإستماع الى بكركي، اليوم قبل الغد، حفاظاً على حقوق المسيحيين، واللبنانيين؟
أكّد مصدر مُطَّلِع أن “الإنكسارات التي يشهدها “التيار الوطني” منذ مرحلة تكليف مصطفى أديب، تؤذي الحضور المسيحي على مستوى الدولة، لكونه الطّرف المسيحي الوازن الوحيد الموجود في السلطة اليوم”.
ودعا في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” الى “سَحْب شعار استعادة حقوق المسيحيين من التداوُل، لأن الهدف الأساسي لدى فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، منذ تشرين الثاني الفائت، يتركّز على إلغاء العقوبات الأميركية عن باسيل، وتعديل مواقع قوّته داخل الحكومة، وإقصاء كلّ من يُمكنه أن ينافسه في الإستحقاق الرئاسي القادم”.
وكشف المصدر عن “محاولة لدى الفريق الرئاسي تقوم على “تهشيل” الفرنسيين، ظنّاً منه أن ذلك سيُعيد واشنطن الى لبنان، بذاتها. فيتمّ التفاوُض معها حول الحصار على لبنان، والعلاقات اللبنانية مع طهران والعرب، والعقوبات على باسيل”.
وأضاف: “قد يرحل الفرنسيّون إذا أخفق الحريري في فرض السّقف الذي تحدّث به في ذكرى اغتيال والده. ولكن الأميركيين لن يأتوا، وقد نجد الروس على الساحة اللبنانية لمدّة، بما لا ينسجم مع التطلّعات السيادية تماماً. فليس دقيقاً ما يُثار عن موافقة روسية كاملة على المبادرة الفرنسية المتعلّقة بلبنان”.
وأشار المصدر الى أن “(المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية الروسي) ميخائيل بوغدانوف، أوصل رسائل حول أن استمرار التعطيل الحكومي هو إمعان في استنزاف الوجود المسيحي من لبنان. وطالب بالإسراع في تشكيل حكومة. ولكن لا أحد متأكّداً تماماً من الحدود التي يُمكن للرّوس أن يصلوا إليها، في كلّ ما يتعلّق بالبُعد السوري في الملف اللبناني. فهنا تبدأ التبايُنات و”الإفتراقات” بين موسكو والأطراف اللبنانية المسيحية، و”السيادية”.
وعن مراجعة “ورقة التفاهُم” بين “التيار” و”حزب الله”، أجاب المصدر: “قد يحصل باسيل من خلال هذا المسار على نقاط غير أساسية، ليستثمرها أمام المسيحيين، وكأنه يواجه “الحزب”.
وختم: “هو مسار غير نافع. فنظرة الشارع المسيحي الى “حزب الله” ما عادت جيّدة أبداً، وهذا ليس سرّاً. و”ورقة التفاهُم” لم تَعُد قادرة على تغيير الواقع”.